لا أخفيكم سرا بأنه قد طار عقلي فرحا عندما قرأت سابقاً عن ترؤس شيخ الأزهر الدكتور "أحمد الطيب" وفدا إسلاميا يضم مفتي الديار المصرية، وعددا كبيرا من علماء الأزهر الشريف، وذلك لتقديم التهنئة إلى البابا تواضروس بابا الكنيسة الأرثدوكسية بمناسبة العام الميلادي الجديد، حيث وصف البابا هذا التجمع لتهنئة الأقباط بمناسبة الأعياد المجيدة، بأنه تجمع عظيم يقدم الصورة الحقيقية للتعايش الإنساني، وأشاد بدور الأزهر المعتدل وإطلاقه قناة فضائية تعبر عن الوسطية والاعتدال والتسامح. ومن جانبه ذكر شيخ الأزهر خلال اللقاء: "أن الإسلام يدعو لمحبة الأقباط ومن يختلفون معنا في الدين، ومن يفعل غير ذلك فهو لا يعرف الإسلام"، وأكد مفتي الديار المصرية على ضرورة تبادل اللقاءات والتهنئة والتحية بين الإخوة في الوطن الواحد وقال: "هذا من صميم روح الإسلام"، ليس هذا فحسب بل أن السفير الماليزي في مصر أعلن أنه في الأيام القادمة سيتوجه إلى ماليزيا أكثر من عشرين عالما من كبار علماء الأزهر يترأسهم شيخ الأزهر، لإلقاء عدد من المحاضرات حول التسامح بين الإسلام والديانات الأخرى، ودور الأزهر في تحقيق السلام العالمي وتحقيق الوحدة والتوافق بين أبناء الشعوب. بالمقابل لم يطر عقلي فرحا من خطبة الشيخ "العريفي" في مصر، كما طارت عقول كثير من المصريين وهو يتحدث عن سروره وفرحته بالتآلف بين الأقباط والمسلمين.. أتعلمون لماذا؟ لأن فيها من المفارقة الشيء الكثير، أليس من الغرابة أن شيخا يتحدث في خطبة عصماء بعبارة "استوصوا بالأقباط خيرا" ثم عندما يُسأل في موقف آخر عن حكم تهنئة المسيحيين في أعيادهم: يقول "يجوز تهنئة (الكافر) بمناسباته السعيدة.. ترقية.. تخرج، مثلا.. لكن مناسباته الدينية تحرم فيها التهنئة". وكأنه يقول الأقباط على خير لكن إياكم ثم إياكم أن تقولوا "كل عام وأنتم بخير"!!.
إنني أتساءل: في بلد كمصر - مثلاً - كيف لا يهنئ المسلم مواطنه المسيحي بذكرى ميلاد المسيح عليه السلام، وقد بشر القرآن الكريم بمولده في الآية الكريمة (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين)؟، كيف لا نهنئهم بميلاد المسيح عليه السلام وهو الذي بشر بقدوم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد)؟ كيف لا نهنئهم بمولد المسيح ونحن أولى به، فهذا رسولنا الكريم يقول: "أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة، ليس بيني وبينه نبي، والأنبياء أخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد"؟ كيف لا نعبر عن فرحتنا بمولد المسيح وقرآننا الكريم يقول عنه: (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا)؟
إنني عندما أقرأ مناسبة السنة الميلادية أتأملها كحركة متجددة يتعانق عبرها الزمنان الهجري والميلادي لتجسد قصة التلاقي والتفاهم بين أتباع الرسالات السماوية، وخصوصا بين المسيحية والإسلام، هذه المناسبة تجعلنا نستعيد سيرة المسيح عليه السلام؛ لنتعلم منه كيف نحصل على السلام العالمي، كما نعيشها مع رسولنا الكريم الذي جعل بوحي من الله تحية الإسلام (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) أن نعيش السلام، أن نتحاور فيما اختلفنا فيه، أن نتفاهم فيما افترقنا حوله، أن يعيش الإنسان إنسانيته في إنسانية الآخر، ألا ننطلق في دعوات الطائفية المقيتة، ولكن ننطلق في دعوات المحبة التي تفتح قلب الإنسان على الإنسان.
أخيرا أقول: علينا أن نقرأ واقعنا، فلا نسقط أمام البعض، الذين يحاولون تصوير الصراعات بين الإسلام والمسيحية، غير مدركين أن القضية الحقيقية للصراع هي في الاستبداد، ففي المسلمين مستبدون، وفي المسيحيين مستبدون، وفي اليهود مستبدون كذلك. كم نحن بحاجة إلى أن نفرح بهذه المناسبات العظيمة، وبالخصوص أن مجتمعاتنا متعبة تعيش المأساة وتهزها الأزمات من كل حدب وصوب.. وأخيرا أسأل: ما الذي نخسره عندما ندخل السرور على أخينا المسيحي؟.