أصبحت قنوات التواصل الاجتماعي وأجهزة المعلمين والطلاب الهاتفية مرتعاً خصباً تتناقل فيه نماذج متنوعة من غرائب ونوادر التعليقات المدونة على أوراق الإجابات بمنأى عن مادة الاختبار لتسلك طرقا مختلفة تضجراً من صعوبة أسئلة الاختبار، وأخرى يحفها طابع التودد والاستعطاف، وثالثة يائسة من تجاوز الامتحان، وفي منعطف آخر تجدها تسلك جانباً "درام_كوميدي" يجعلك تبكي فجيعة مما وصلت إليه الإجابات كدليل على مخرجات تعليمنا المستنزف بدءاً من الاستهتار بالتعليم، وخذلان لطموح الغد، وأخطاء نحو تعليمنا وطرقه ومناهجه حتى قياسه بتلك الورقة البيضاء "الاختبارات" التي جعلنا منها قصةً تتحكم في مستقبل أبنائنا وعقولهم.
تؤلمنا كثيراً بعض النماذج المرصودة المضحكة المبكية، وما نشر في الصحف من إجابات وقصاصات وأبيات غزل ورجاء وذكريات.. جمعت مواضيع الكوميدياء السوداء على صفحات أوراق إجابات الطلاب يجعلنا نستنفر تخطياً نحو السؤال الأكبر: لماذا وصل حالنا وطلابنا لهذه المراحل؟ ومروراً بما رصده الأخ علي العمري ونشره تحت "العجب العجاب في إجابات الطلاب".. ووجدت صدى واسعاً عبر مواقع التواصل الإلكتروني.. منها هذه المقتطفات:
• طالبٌ سُئل عن سر إخفاء ليلة القدر؟
- فكانت الإجابة: خوفاً من قريش!
• وآخر: اذكر شروط صلح الحديبية؟
- الإجابة: أن لا يتهاوشون مرة أخرى!
• سؤال في اختبار الحديث نص على التحدث عن راوي الحديث.
- فأجاب الطالب؛ سبقت ترجمته في الحديث السابع!
• وفي مادة الفقه: ما تعريف القتل العمد والقتل الخطأ؟
- الإجابة: قتل العمد هو القتل بالعامود سواء من الخشب أو الحديد، وقتل الخطأ: أن يقصد قتل رجل فيقتل آخر!
• وفي ماده الفقه أتى سؤال: اذكر ثلاثة أنواع للأجبان المحرمة: فكانت الإجابة: كيري، أبو ولد، البقرات الثلاثة!
•سؤال: لماذا تشرق الشمس على الرياض قبل مكة؟
- الإجابة: لأن الرياض عاصمة المملكة.
*سأل معلم اللغة العربية الطالب ما هو النداء؟
فكنت إجابة الطالب: هو أن تقول لواحد تعال!
• وفي الأدب: خطبة البتراء من قائلها؟ وما سبب تسميتها بذلك؟
أجاب الطالب: قالتها البتراء، وسبب التسمية لأنها بترت يديها ورجليها!
• طالبٌ خلط بين طول قطر الدائرة ومحيطها، فرسم دائرة كبيرة لم تستوعبها ورقة الإجابة، فكتب للمعلم باقي الدائرة على الطاولة!
• وفي العلوم جاء السؤال يقول: علّل ضعف الغطاء النباتي بالقرب من البحار؟
- فكانت الإجابة: لخروج الأسماك ليلاً وأكلها للغطاء النباتي!
ومن نفس المحور هنا، ما زلت أذكر موقفاً في مجلس الشورى قبل عام عندما عرض رئيس المركز الوطني للقياس والتقويم الدكتور فيصل بن مشاري آل سعود، على أعضاء لجنة الشؤون التعليمية والبحث العلمي تحديداً، ورقةً لطالبٍ متخرج من المرحلة الثانوية بنسبة مئوية كاملة، بينما كانت ورقة الإجابة لاختبار القياس مليئة بالأخطاء الإملائية الفادحة في أسطر قليلة! فكانت ضحكات أعضاء مجلس الشورى حينها مجلجلة مليئاً، ونحن عبر ضحكاتهم والإجابات أعلاه.. نجد القاسم المشترك "ضحك" غير مبرر، بل هو ضحكٌ ممّا يُبكى منه!.. ضحك أشبه بالبكاء يُدمي القلوب والمستقبل وأنكى عبرة، فهل نضحك.. لأن مخرجات تعليمنا وصلت لهذه النكسة؟ أم من الاستهتار بالتعليم برمته؟ في مجتمع أصبح أبناؤه يتفاخرون بإجاباتهم وكتاباتهم من أجل عيون قنوات التواصل الاجتماعي والشهرة والصلافة.
وفي ظل المعطيات السابقة وما وصل إليه تعليمنا، ونشرنا عنه جهلنا بهذه الطرق الموجعة، أعتقد وكالعادة أن من واجب وزارة التربية والتعليم الانتفاض لدراسة هذه الظواهر وتجويد مخرجاتها وإعادة النظر بطريقة علمية بحثية في البيئات التربوية الطاردة لمعالجة تطبيقية لا بخطط مدروسة حفظناها عن ظهر غيب قد تلحق بمشروع "تطوير" الذي ما زلنا على أمل اللقاء به يوماً، ولنسأل أنفسنا ما الذي حدا بطلابنا جرأةً واستهتاراً نحو العملية التعليمية بتلك الأعمال؟ وكيف أصبح المعلم شريكاً في نشر مقاطع وصور للإجابات متعدياً على مهنيته وحفظ حقوق طلابه؟ ولأنني لست مقتنعاً بالاختبارات كأداة وحيدة فلن أذكر من الذي أضاع هيبتها وأوراق الإجابات؟ أما الحلقة الأقوى.. فمتى تكون مدارسنا بيئة جاذبة في ظل ضبابية قرارات وتعاميم متهالكة جعلت من تعليمنا بيئة طاردة حتى تاريخه.