في بلادنا المباركة مجموعات رائعة يُفتخر بها من الشباب والشابات، وفي محافظة جدة بالخصوص توجد عدة كيانات ثقافية شبابية تمارس العمل الإبداعي بكل اقتدار على أرض الواقع، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو المقاهي الثقافية، أو الجمعيات الخاصة، مثل نادي "عزتي إسلامي" ومجموعة "انتيليكت"، ومجموعة "سدرة"، ومجموعة "غراس جدة"، وغيرها، والأخيرة ـ كما زرتها بدعوة كريمة ـ تهتم بالطفل تربويًا وفكريًا، وتسعى لإبراز وتفعيل دوره في المجتمع.. في موقعهم الإلكتروني يعرفون أنفسهم بفخر "الله منَّ علينا بأن نكون ممن يعيش لرسالة ويحمل هدفا راجين أن نساهم لعزة الدين، نعمل لنقدم للأطفال والناشئة برامج وأنشطة ثرية تستفز قدراتهم الكامنة وتُشبع ما فطرهم الله عليه من حاجات للتعلم والتجريب ليخرج للأمة جيل منجز يعي دوره ويعمل لأجله".. هذه المجموعة الجميلة تستهدف الطفل من عمر التاسعة للثانية عشرة، وتستهدف الوالدين، والأطراف المؤثرة في العملية التربوية؛ وتقدم لتحقيق أهدافها برامج تتضمن المخيمات والنوادي والأيام والمؤتمرات والملتقيات الهادفة.. مؤخراً دعت مجموعة غراس المهتمين لملتقى المربي الداعم في موسمه الثالث، والذي تضمن حلقات نقاشية وحوارات فلسفية وألعابا تربوية وورش عمل، وسعدت بمشاركتهم في ورشة عن التحولات الفكرية للأبناء والتعامل معها.. الورشة ـ أو الحلقة العلمية كما أحب أن أسميها ـ وصلنا في نهايتها إلى قواعد تستحق التعميم للفائدة، ومن ذلك أن هناك شعرة بسيطة بين التحولات السلوكية والفكرية، فعادة إذا كان هناك توتر في السلوك سينتج عنه تحول فكري غير محمود، وأن مفتاح الأسرة السعيدة هو (الصداقة)، وهذا يبدأ منذ الصغر. وأن البيوت لابد أن تفوح بعبير المودة والمحبة حتى تكون مستقرة وآمنة، وأن عدم سيطرة الوالدين على أحاسيسهم ومشاعرهم يؤدي إلى إخفاء الابن ما يظن أنه من خصوصياته، ويصبح البيت مجرد (فندق)، وأن بعض الآباء يتمنون أن يحقق أولادهم ما لم يحققوه، وهذا لن يتحقق ما لم تكن هناك سيطرة على صغائر الأمور قبل عظائمها، وأن مما يساعد على الحفاظ على التواصل الأسري تحديد مدة لاستخدام الأجهزة الذكية بين الأسر في وقت الاجتماع العائلي اليومي، وأن الاستشارة مطلوبة قبل الاستخارة في كافة الأمور الحياتية، وأن علينا أن نتخلص من مصيبتين تلفان حياتنا مع أبنائنا وهما الاهتمام الزائد وانعدامه، وأن علينا الانتباه إلى أننا نرسخ بطريقة عفوية في أذهان أبنائنا الصفات الجيدة والسيئة التي ترسخ إلى الكبر، وأن علينا أن نتغير لأن الظروف تغيرت، والزمن تبدل، وأن من يرد منا إصلاح أولاده فعليه أن يصلح نفسه أولاً، وأن مشاركتنا للأبناء في اهتماماتهم تساهم في تربيتهم، ولكي نتمكن من مجاراة الأبناء علينا تطوير أنفسنا وأفكارنا فهذا أهم من تطوير فكرهم، وعلينا استخدام أسلوب التلميح في علاج مشكلات الأبناء، وأن نقتنع بأن ما نعيشه هو تفاعل الأجيال وليس صراعها، وعلينا تحمل جرأة أبنائنا علينا ليتعلموا الدفاع عن أنفسهم، مع الترفق والرحمة بالمتهاون منهم والمتكاسل، وعدم المن عليهم، أو الوصاية المباشرة، أو التفاخر بالجاه وغيره لأنه يؤدي إلى تعالي الأبناء وشعورهم بالفوقية، وعلينا استيعاب الاختلاف بين شخصياتهم، وفهم تطوراتهم النفسية، والحذر من الدلال الزائد، والقسوة المفرطة، وتخيير الابن بالعقاب بعد تبريره، والانتباه أخيراً وليس آخراً إلى أن من القواعد الإيجابية في التربية أن يجعل الأب والأم أبناءهم وبناتهم مستشارين لهما، ومستودعاً لأسرارهما.