قبل أسابيع ماضية كتبت مقالاً بعنوان (لا للسفهاء من رجال الأعمال) وانتقدني بعض رجال الأعمال وقال لي البعض: (المالك في ملكه) يفعل ما يشاء، وتصرفات رجال الأعمال خاصة بهم. وإن كنت أختلف معهم في هذا الرأي إلا أنني لا أرغب أن أكرر ما ذكرته في مقالتي عن سفه بعض رجال الأعمال، كما أنني أجدها مناسبة اليوم لأن أعرض باختصار قصة نجاح أحد رجال الأعمال السعوديين الذين وظفوا فوائض أموالهم في أعمال تخدم المجتمعات وتخدم الإنسان في مختلف المجالات، وهو قدوة متميزة لرجال الأعمال العرب والمسلمين، رغم أنه ليس بحاجة إلى المديح أو الثناء والشكر إلا أنني أعرض بعض أعماله ليقتدي به بعض أصحاب البلايين والملايين في المملكة وفي العالم العربي. ورغم أن أعماله هي التي تروي قصة دوره الاجتماعي إلا أنني تعرفت أكثر على أعماله المتميزة وأنا أناقش رسالة الدكتوراه المقدمة من الطالب إبراهيم باداود التي اجتازها بامتياز عن برامج المسؤولية الاجتماعية في العمل الخاص، مركزاً على تجربة باب رزق جميل التي تقوم بها مجموعة عبداللطيف جميل، بقيادة رجل الأعمال المتميز محمد عبداللطيف جميل؛ الذي استطاع أن يحقق نجاحاً مبهراً في توفير 266.587 ألف فرصة عمل ابتداءاً من عام 2003 وحتى نهاية عام 2012، من خلال (26) فرعاً منتشرة في أنحاء المملكة من خلال برامجه المتعددة، ومنها برنامج التوظيف المباشر، وبرنامج التدريب المنتهي بالتوظيف، وبرنامج دعم المنشآت الصغيرة، وبرنامج دعم الأسر المنتجة، وبرنامج تمليك سيارات الأجرة العامة، وبرنامج تمليك سيارات النقل، وبرنامج الامتياز التجاري. ويهدف رجل الأعمال محمد عبداللطيف جميل من خلال برامجه المتعددة للوصول إلى توفير خمسمائة ألف فرصة وظيفية في عام 2016. وهو هدف طموح ومبهر، ولم تستطع وزارة العمل بجميع قراراتها الإلزامية توفير هذا العدد. حيث استطاع برنامج واحد فقط وهو برنامج باب رزق جميل أن يوفر حوالي تسعة وخمسين ألف فرصة عمل خلال عام واحد وهو عام (2012)، في مجالات مختلفة تتراوح ما بين التدريب على الرعاية الصحية إلى صيانة السيارات والصناعات الأخرى، بالإضافة إلى توفير قروض التمويل الصغرى ليشجع الشباب على إطلاق أعمالهم الخاصة، ويساعد ربات البيوت على العمل والإنتاج من بيوتهن، مثل برامج تصنيع سجادة الصلاة والمسابح من المنزل، وشراء كامل الإنتاج لتقديمه هدايا للعملاء لشركة تويوتا ولكزس؛ حيث تم إنتاج خمسة وثلاثين ألف سجادة صلاة وسبعة آلاف سبحة مصنوعة من الكرستال.

أما برنامج دعم تمويل المشاريع الصغيرة فقد ساهم في تمويل ستة وعشرين ألف مشروع صغير ناجح بقروض تصل إلى مائة وخمسين ألف ريال للمشروع، وتم تمويل مائة واثنين وخمسين ألف سيدة عاملة لحسابها الخاص من المنزل ضمن برنامج دعم الأسر المنتجة.

أما برنامج تمليك سيارات الأجرة العامة فاستطاع أن يوفر حوالي ثلاثة آلاف وخمسمائة فرصة عمل للشباب الراغب في العمل وتملك سيارة الأجرة، ويرادف هذا البرنامج برنامج تملك سيارات النقل الذي وفر حوالي ألفين وسبعمائة فرصة عمل منتهية بتملك سيارة النقل. ويعتبر برنامج الامتياز التجاري من أهم المشاريع الهادفة إلى تأهيل الشباب ليصبحوا تجاراً في يوم من الأيام من خلال برنامج الامتياز التجاري. ولم تقتصر برامج عبداللطيف جميل على التجارة والصناعة وإنما حرص البرنامج على أن يكون له دور متميز في التعليم والثقافة والفنون؛ حيث إن مبادرة (1001) اختراع هي مبادرة تعليمية عالمية تهدف إلى التعريف بالإنجازات العلمية والثقافية التي قدمتها الحضارة الإسلامية خلال فترة تمتد إلى ألف سنة، ابتداءاً من القرن السابع الميلادي وحتى القرن الثامن عشر، وتركز المبادرة على توضيح الإسهامات في بناء ووضع الأسس التي يقوم عليها عالمنا المعاصر واستمرار تأثيرها على حياتنا في عالم اليوم. وكانت مبادرة (1001) اختراع قد أطلقتها مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة وهي منظمة أكاديمية لا تهدف للربح ومقرها بريطانيا، وتتعاون مع أكاديميين بارزين في مجال العلوم والتاريخ والعلوم الاجتماعية. كما أن صندوق عبداللطيف جميل / تويوتا للمنح الدراسية بمعهد ماساشويتس للتكنولوجيا (MIT) في الولايات المتحدة الأميركية يعتبر من أكثر البرامج التعليمية نجاحاً؛ حيث ضم طلبة متميزين بل علماء بارزين من 28 دولة من الشرق الأوسط وآسيا. أطلق عليهم علماء جميل تويوتا في مجالات الهندسة المعمارية والاقتصاد والهندسة الإلكترونية والرياضيات والكيمياء والفيزياء وعلوم الطيران. أما المشروع التعليمي السعودي المتميز الذي تساهم فيه برامج عبداللطيف جميل الاجتماعية فهو برنامج إنجاز الذي أنشئ عام 2007 بشراكة مع وزارة التربية والتعليم وعدة شركات سعودية، وهو عبارة عن منظمة غير ربحية تعنى بتدريس الشباب والفتيات في المدارس تأهيلاً لهم لسوق العمل.

عزيزي القارئ هذه نبذة بسيطة من أعمال المسؤولية الاجتماعية لرجل أعمال سعودي، ولم أسرد بقية البرامج في المجال الصحي والرعاية الصحية أو مراكز أبحاث الإعانة أو برامج التنوير الموجهة لليتامى وبرامج اليوم العائلي للسجين ومركز الندى للرعاية الاجتماعية ومبادرات مكافحة الفقر. نعم من حقنا أن نفخر بهذه النوعية من رجال الأعمال السعوديين الذين يؤمنون بالبعد الاجتماعي في العمل، ويحرصون على برامج المسؤولية كجزء من أعمالهم التجارية. وبارك الله في مال نفع به صاحبه المجتمع، متمنياً أن يقتدي به بقية رجال الأعمال، مع علمي بأن هناك من يتساوى أو يزيد على محمد جميل من حيث حجم الثروة إلا أن أعماله في مجال المسؤولية الاجتماعية لا ترقى إلى المقارنة. فهل يتعظ ويقتدي رجال الأعمال بهذا النموذج، وإذا جاز لي الاقتراح فإنني أتمنى أن يتبنى مجلس الغرف السعودية بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التجارة والصناعة إنشاء صندوق المسؤولية الاجتماعية؛ بحيث تشارك فيه الشركات المساهمة، بنوك ومصانع وشركات مقاولات وصيانة ورجال أعمال؛ ليتولى مهمة دراسة احتياجات المجتمع ووضع الخطط لتغطية هذه الاحتياجات، وتوزيع الأدوار والمسؤوليات والمشاريع الاجتماعية على الشركات، منعاً من تكرار البرامج أو تركيزها في منطقة دون أخرى. ولضمان استمراريتها، مع إعطاء الحرية الكاملة لأي شركة للقيام بمشاريعها الاجتماعية الخاصة بها أو المقترحة والمدروسة من الصندوق؛ الذي سيقوم بالدراسات والأبحاث ويتابع البرامج وأثرها على أرض الواقع.