تسبب استخدام الولايات المتحدة للطائرات دون طيار (Drones) في حروبها الخارجية، خاصة في باكستان وأفغانستان بانتقادات كثيرة من داخل وخارج الولايات المتحدة، وخاصة فيما يتعلق بالبعد القانوني، أو غير القانوني، لمثل هذه الهجمات عندما يتم استخدامها لاغتيال أشخاص معينين دون محاكمة، بما في ذلك اغتيال مواطنين أميركيين. ويقول تقرير نشره "معهد واشنطن لساسة الشرق الأدنى" إن الولايات المتحدة شنَّت هجمات جوية دون طيار عبر العقد المنصرم أسفرت عن مقتل ما بين 1800- 3100 شخص في باكستان وحدها، إلى جانب المئات الذين قتلوا في هجمات الطائرات دون طيار على اليمن والصومال، ضمن جهود الولايات المتحدة في حربها ضد "القاعدة" وفروعها. وقد أدت زيادة الهجمات منذ بداية عمل إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وكذلك ارتفاع صدى الأسئلة المثارة حول الفعالية القانونية والأخلاقية والعملية لهذا البرنامج إلى جدل حاد بين المحللين.

الغريب أن المرء لا يسمع كثيرا من النقاشات حول هجمات الطائرات دون طيار من قبل تنظيم القاعدة المركزي (AQC) أو طالبان. وعلى الجانب الآخر تجد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب قد استثمر مسألة هجمات الطائرات دون طيار على نحو واسع في الرسالة الإخبارية التي جاءت على لسان الجماعة الممثلة لهم وهي جماعة "أنصار الشريعة"، وترتب على ذلك أن تكررت إثارة التساؤلات في العام الماضي عما إذا كانت هجمات الطائرات دون طيار تدفع بعدد أكبر من الأشخاص بين أحضان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

تشير الوثائق التي جمعتها فرقة القوات الخاصة البحرية أثناء الحملة على مخبأ بن لادن في "أبوت أباد" أن بن لادن أطلق على المناطق القبلية في باكستان اسم "دائرة الجاسوسية"، وذلك بسبب وجود شبكة الجواسيس التي تساعد في تحديد الأهداف ووضع أجهزة التعقب التي تستخدم في شن الهجمات، حتى إن مسألة الجواسيس أصبحت منتشرة بقدر كبير مما جعل أبو يحيى الليبي يؤلف كتاباً في 2009 يعنى بأحكام التعامل معهم وإعدامهم فور القبض عليهم.

خلق الخوف من المتسللين جواً من الارتياب والشك بين الحركات الجهادية ودفع كثيرا من أعضاء القاعدة في المناطق القبلية الباكستانية للانتقال إلى مناطق أكثر حضرية مثل كاراتشي، وجاء في وثائق بن لادن في أبوت أباد عنه أنه نصح "الإخوة" الذين "لهم ظهور إعلامي" أن ينتقلوا "هرباً من التصوير بالطائرات والقصف". واقترح بن لادن كذلك أن يفر الأفراد إلى ولاية كونار الأفغانية، حيث اعتقد أنهم قد يكونون أكثر أمنًا من شبكات الجواسيس التي كانت داعمة لحملة الطائرات دون طيار. كما حذَّر بن لادن الموجودين في مكان آمن أن ينتبهوا لترصد الجواسيس، بل إن خطر الطائرات دون طيار أجبر طالبان على التفكير جيداً بشأن اختيار الصحفيين الذين يقابلونهم. ولكن حتى لو كانت هجمات الطائرات دون طيار ترفع مستوى عدم الثقة في الدخلاء، إلا أنها لم تقوض قدرة طالبان على استعراض قوتها في أفغانستان عبر الأعوام القليلة المنصرمة، ولا يخفى لجوء كثير من الأفراد إلى محاكم الظل الشرعية لطالبان ودور تلك المحاكم في تسوية النزاعات، هذا فضلاً عن جمع طالبان للضرائب على المستوى المحلي.

قوَّضت كذلك هجمات الطائرات دون طيار المتكررة في شمال غرب باكستان من قدرة القاعدة على تدريب الأفراد لفترات زمنية مطولة. كان تنظيم القاعدة المركزي يستطيع في الماضي قضاء شهر (إن لم يكن أطول) في تدريب عميل على طريقة صنع القنابل، أما الآن فقد أصبح ذلك التدريب لا يستمر سوى بضعة أيام في بعض الحالات، ومن المعلوم أن اختصار فترة التدريب ينقص من الفاعلية. على سبيل المثال، تلقى فيصل شاه زاد (الذي فشل في تفجير ميدان التايمز) تدريباً لمدة خمسة أيام في المناطق القبلية مع حركة "تحرير طالبان باكستان" التابعة لتنظيم القاعدة المركزي، وقد كان نقص التدريب عاملاً حاسماً عندما تعطلت قنبلة شاه زاد وتم توقيفه لتصرفاته المشبوهة.

بالإضافة إلى ذلك، اضطر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب إلى تغيير مواقع معسكرات التدريب بسبب الطائرات دون طيار، فانتقل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب إلى مناطق ذات تضاريس جبلية وعرة مثل محافظتي "إب" و"الضالع" نتيجة لتعرض التنظيم لهجمات جوية خلال تدربهم في محافظة "رداع"، وما زال حال تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مشابهاً لحال طالبان، حيث كان بوسعه التخطيط لعمليات كبرى ضد الغرب – حتى لو فشلت تلك العمليات – إلى جانب الاستيلاء على القرى والبلدات المحلية، وعلى الرغم من عدم وجود دراسات أكاديمية شاملة بشأن الآثار الكبرى التي أحدثتها هجمات الطائرات دون طيار في اليمن، إلا أن الباحثين باتريك بي جونستون وأنوب سارباهي قد خلصا في ورقة عمل إلى أن غارات الطائرات دون طيار في باكستان أدت بالفعل إلى تقليل الهجمات الانتحارية في البلاد.

الدعاية

يقول تقرير معهد واشنطن إنه على الرغم من وقوع تنظيم القاعدة المركزي وطالبان تحت ضغط الغارات الجوية الحاد طيلة السنوات العديدة الماضية؛ إلا أنهم لم يتحدثوا كثيراً عن هذه الهجمات في مواد الدعاية التي يطلقونها. فقد وصف مصطفى أبو اليزيد الغارات وهو يمتدح أبو الليث الليبي في عام 2008 عقب مقتله إثر هجمة جوية بأنها هجمة الجبناء، حيث لم تواجهه الولايات المتحدة في ساحة القتال، بل سلكت سبيل "الخيانة والغدر"، وفي الآونة الأخيرة، وجه أيمن الظواهري رسالة إلى الباكستانيين في مارس يدعوهم فيها إلى الثورة على الحكومة وإجبارها "على وقف هجمات الطائرات دون طيار".

لم يشهد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب هجمات جوية متكررة مثل تنظيم القاعدة المركزي وحركة طالبان إلا منذ عام ونصف العام، لكن التنظيم استثمر المسألة في عمله الإعلامي. وقد سلط تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الضوء بشكل خاص على إنجازاته في مجابهة شبكات التجسس، ففي فبراير 2012، أصدر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب حُكماً بالإعدام على ثلاثة جواسيس – يمنييْن وسعودي – في إحدى محاكم الشريعة في جعار، حيث تضمنت الادعاءات ضدهم أنهم كانوا يثبتون أجهزة تعقب على السيارات حتى تستهدفها الطائرات دون طيار، فقتل واحد منهم في عزان صلباً وضرب آخر بالنار من مدى قريب في شبوة وتم عرض تنفيذ الحُكم في مقطع فيديو كجزء من سلسلة أنصار الشريعة بعنوان "عين على الحدث".

ويضيف تقرير معهد واشنطن أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب استخدم التحليل النقدي لبرنامج الطائرات دون طيار من جانب أشخاص في الغرب بالإضافة إلى تسليط الضوء على الكوارث التي حلت بالمدنيين وإظهار صور جثث الأطفال حتى يكسبوا التعاطف في المحنة التي ألمت بهم، وفي الإصدار التاسع عشر لرسالة أنصار الشريعة الإخبارية كتبوا تقديماً عن حملة أوباما "الصليبية"، وجاء فيها إشارة أنصار الشريعة إلى سياسة "المهاجمة بمجرد الاشتباه" التي سمحت للولايات المتحدة أن تستهدف الأشخاص بناء على أنماطهم السلوكية دون التحقق من هويتهم، "جحيم الصواريخ... يتأجج في سماء اليمن ليقتل... بدم بارد دون مساءلة، كالمعتاد". في السابق، أوضح جريجوري جونسن الخبير بالشؤون اليمنية أن الهجمات بمجرد الاشتباه يترتب عليها أخطار استهداف وقتل أشخاص ليسوا أعضاء في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أو على صلة به، في الإصدار الثالث من الرسالة الإخبارية، تعجب أنصار الشريعة من التزام الولايات المتحدة بحكم القانون في سياق قتل أنور العولقي وولده عبد الرحمن في إحدى الهجمات الجوية الأميركية "دون اتهامهما [أنور وابنه] بجريمة واحدة".

يرى بعض المحللين أن ثمة مردودا عكسيا قد يحدث جراء برنامج الطائرات دون طيار من قِبل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، حيث قد يتشجع التنظيم على التخطيط لهجمات انتقامية ضد الولايات المتحدة، وقد ألمح تنظيم القاعدة في جزيرة العرب إلى هذا عند تأبين فهد القصع الذي قتل في إحدى الهجمات الجوية في مايو هذا العام، "الحرب بيننا لم تنته والأيام حبلى وسوف تتمخض على أيدينا بأمر جديد". وبينما يظل رد المسلحين على هجمات الطائرات دون طيار في اليمن غير معلوم حتى الآن، إلا أن هناك دليلا ضعيفا على أن تلك الهجمات قد دفعت تنظيم القاعدة المركزي إلى القيام بهجمات رداً عليها. فبعد فشل خطة فيصل شاه زاد لتفجير ميدان التايمز، أخبر المحققين أن الدافع الأول لديه كان ارتفاع وتيرة هجمات الطائرات دون طيار في الحزام القبلي في باكستان، وقد تردد أيضاً أن زعيم القاعدة إلياس كشميري أصيب بالإحباط جراء هجمات الطائرات دون طيار على المناطق القبلية مما دفعه إلى التخطيط لهجوم على الرئيس التنفيذي لشركة لوكهيد مارتن، جاء هذا في شهادة زميل سابق له يدعى دافيد هيدلي وهو أحد العملاء الأساسيين في هجمات مومباي عام 2008، لكن هجمات الطائرات دون طيار بين هجوم شاه زاد الذي فشل وخطة كشميري الطموحة لا تبدو لنا أنها السبب الأول وراء تخطيط تنظيم القاعدة وفروعه وتابعيه للمؤامرات التي تستهدف الولايات المتحدة.

وفي عهد إدارة أوباما، قتلت هجمات الطائرات دون طيار كثيرا من قادة تنظيم القاعدة المركزي وقادة طالبان وأودت بحياة المئات من المسلحين من المستويات الوسطى، وقد دفع حجم الخسائر هذه الجماعات المسلحة إلى تكوين شبكات لمكافحة التجسس إلى جانب تعزيز أمنها العملياتي، وقد تقلصت قدرة تنظيم القاعدة المركزي على العمل في باكستان لأبعد الحدود، وفي الوقت نفسه، لا يبدو لهجمات الطائرات دون طيار أثر كبير على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أو على طالبان - فكلاهما لا يزال يظهر قدرة على تخطيط هجمات ضد الولايات المتحدة، ولا يزال لهما تأثير في مناطق العمليات المحلية. إن هزيمة هذه الجماعات عن طريق هجمات الطائرات دون طيار أمر غير وارد، لكن تلك الهجمات قد أزعجت المسلحين على الأقل، وكذلك منعت أعمالاً عسكرية عدوانية كانت ستحدث إن لم تشن تلك الهجمات.