ليست المرة الأولى التي نفجع فيها بشاب يردي والده قتيلاً.. وليست الأولى ولن تكون الأخيرة التي نصرخ فيها بأن هذا "العمل المشين" خارج عن مجتمعنا ولا يمثلنا ولا يمثل واقعنا الاجتماعي.. لكن 12 طعنة سددها الابن إلى رقبة وصدر وبطن والده تقول غير ذلك.. وتصرخ بنا "استيقظوا"..!

..نتصور كثيراً أننا من أكثر المجتمعات محافظةً، وأقلها ارتكاباً للجرائم.. لكن تغيب عنا جناياتنا التي تنظرها المحاكم ويغيب عنا ما لا يصل إلى المحاكم لظروف تجبر الضحية على الصمت..!

الأرقام هي الأداة الدقيقة لقياس أي ظاهرة وتقييم مدى انتشارها، وستكون هي الطريقة الوحيدة لتحديد طرق العلاج.. وستبقى الأرقام المرافق للعلاج لمعرفة مدى الاستجابة.

إذا قالت الأرقام: إنه في كل يوم ترتكب جريمة اغتصاب في مجتمعنا، لن يصدقني أحد، وربما سيرفض الكثير مجرد التفكير في هذا الكلام، لأن التفكير فيه يعني أننا نرتكب عشرات الجرائم في اليوم ليس الاغتصاب سوى واحد منها، ويعني أننا مجتمع سيئ..!

لكن.. كيف إذا قلت الحقيقة التي نشرتها الصحف نقلاً عن إحصائيات المحاكم، حيث أوضحت الأرقام المرعبة أن محـاكمنا نظرت 565 قضـية اغتـصاب خلال العام الماضي فقط.. ما يعني أنني أنقـصت مـن الحقيقة 200 حالة، ولم أكن مبالغاً بأننا كل يوم نرتكب جريمة اغتصاب، هذا إذا استطعت إقناعكم بأن جميع حوادث الاغتصاب تصل إلى المحاكم..!

وبغض النظر عن قائمة الأكثر والأقل في نسبة القضايا إلى المدن، الموضوع يحتاج إلى تشريح وتحليل لعلاج ذلك والقضاء عليه، حتى لو اعتبرها البعض ليست بالظاهرة؛ رغم أن تكرارها في اليوم أكثر من مرة يجعلها مقلقة جداً؛ وإلا فكل المجتمع شريك في تلك الجرائم إذا ارتفع الرقم وأصبحنا نستيقظ على 10 حالات يومياً..!

(بين قوسين)

بكل أسى، هناك جوانب في وضعنا الاجتماعي تحتاج إلى إعادة تقييم حسب الأرقام، لكي لا يقودنا جهلنا بالواقع والمتغيرات اليومية، إلى الاصطدام -فجأةً- بوضع لا يسر أحداً..!