المشكلة أننا نكتب وأكثر من يعلق علينا هم النخبة، تلك النخبة التي امتلأت إلى النخاع بأفكار المشاركة والمساواة والحقوق، وبالتالي فتعاملهم مع وجود نساء في مجلس الشورى سينطلق غالبا من هذه الرؤية العالية التي ترى أن المجلس بحاجة لأن يكون متجاوزا لما هو عليه الآن، وأن دخول المرأة ليس سوى خطوة يحتاج المجلس لما هو أكبر منها. وأن الحاجة قائمة لإجراءات وقرارات تحمل تحولات أكثر من كونها تحمل مجرد إضافات.

هذا كلام مقبول، لكن ماذا عن الواقع الاجتماعي وهو من يملك التأثير الأكبر في توجيه المستقبل، وهو، أي الواقع الاجتماعي، ما زال يحمل كثيرا من أفكار وسلوكيات المحافظة والتخوف من الأفكار والأنماط الجديدة، وطبيعة المجتمعات المحافظة أنها تبتكر لنفسها دفاعات ذات مرجعية إما دينية أو عرفية، استنادا لا على واقع القيمة التي تحملها تلك المرجعية وإنما على حالة تأويلية عابرة تلبي تلك المخاوف. للمجتمع تجربة واسعة مع هذا النوع من المحافظة. الأسوأ فقط أن نتعامل مع تلك المحافظة بنوع من العداوة أو الاستعلاء، لأنها في النهاية جزء مهم في تكويننا الثقافي والاجتماعي. وبالتالي فالتعامل الأنسب معها يتم كالتالي: تلك المحافظة قد تظهر مخاوفها من بعض المستجدات لكنها ما تلبث أن تطمئن لها، خاصة مع مرور الزمن الذي يكشف أن كل تلك المخاوف ليس لها ما يبررها، لكن المهم ألا يحمل كل قرار جديد نوعا من الترضية لتمريره، لأن هذا من شأنه أن يجعل صوت المحافظة فئويا ومحصورا في نخبة محافظة تجعل من نفسها الصوت الناطق بتلك المحافظة، لأن العملية هنا تحولت إلى حالة من المقايضات.

يبدو أن الدولة تدرك ذلك جيدا، وتدرك أن حركة المجتمع وتصوراته الثقافية تمر باستمرار بتغييرات وتحولات جعلت التخوف من كل إجراء جديد يتحول من كونه عاما وشاملا للمجتمع إلى كونه بات يطرح ويقدم باسم المجتمع. وهذا فرق كبير للغاية، فرق بين أن يحتج المجتمع كل على أمر ما وأن يحتج أفراد منه على أنهم يحملون صوت المجتمع، خاصة أن ما يرفضونه من إجراءات غالبا ما تكون قد استفادت منها بعض الفئات الاجتماعية، وفي قضية تأنيث محلات الملابس النسائية أوضح دليل على ذلك.

إذن الممانعة التي يعلو صوتها لا يجب التعامل معها بنوع من التعالي أو الرفض المطلق، لأنها جزء من نسيج ثقافتنا الاجتماعية وواقعنا المحلي، لكن ما يجب أن يتم استيعابه أنها ليست واقعا مجتمعيا عاما، بل هي شأن فئوي ومحدود، وحتى بقاؤه في سياق إبداء الرأي وإبداء وجهة النظر أمر مقبول، لكن تحليله الثقافي يشير إلى تركزه حول قضايا المرأة أكبر دليل على أنه ناشئ عن أزمة ثقافية اجتماعية وليست دينية.

إن واقع الدولة الحديثة عبارة عن معادلات واسعة ومتنوعة يجب أن تنتهي إلى ناتج واحد هو ما يخدم الإنسان وواقعه ومستقبله وأمنه وتطوره وحرياته وحقوقه، وكل دولة تنطلق في ذلك من مقدراتها الدينية والثقافية والاجتماعية، ومن خلال إيجاد خطاب واع وقادر على تبني كل تلك المعادلات والدفاع عنها، لأن ذلك دفاع عن أهدافها النبيلة.

القضايا النخبوية كتعيين نساء في مجلس الشورى مثلا، لا تستثير كثيرا من الممانعة، لأنها ليست ذات صبغة اجتماعية عامة، وبالتالي فلا يمكن ادعاء الخوف على المجتمع، بخلاف ما يحدث في القضايا العامة كالتعليم والعمل مثلا.

إن وجود عضوات في مجلس الشورى ولهن كامل العضوية من شأنه وبالإضافة إلى قيمته الشورية، أن يحمل قيمة تربوية اجتماعية. إنه إجراء من شأنه أن يعيد صياغة كثير من قلق الممانعة الذي يتم ترويجه اجتماعيا وتقديم نماذج نسائية وطنية قادرة على العمل والمشاركة والإنجاز والعطاء.