الإدانة المؤلمة والمبنية على الأكاذيب والصادرة من وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "الستير بيرت" لتنفيذ حكم القصاص في العاملة المنزلية "نافيك ريزان" سيرلانكية الجنسية، والتي تم تنفيذ حكم القصاص بحقها مؤخرا في المملكة العربية السعودية سوف تكون أقل إيلاما لو أنها أدانت قتل الرضيع السعودي كايد العتيبي ولو من قبيل المجاملة. ولا أعتقد أن سياسيا بارزا بدرجة وزير دولة في بريطانيا تفوت عليه هذه الكياسة السياسية، ولكنها إدانة مقصودة بكل ما تعنيه الإدانة، وتجاهل للحقائق وتمسك بالأكاذيب والمعلومات المغلوطة حول عمر العاملة وأنها كانت قاصرا وطريقة موت الطفل وظروف محاكمتها وغيرها من الذرائع التي يقصد منها مجرد الوصول إلى الإدانة، وهي بلا شك دليل واضح على السقوط الأخلاقي والنفاق السياسي المتكرر لواحدة من الدول العظمى.
بريطانيا التي أدانت القصاص من المرأة السيرلانكية وفشلت في إدانة قتل الطفل السعودي وكأن قتله مباح وحياته لا تستحق حتى كلمة واحدة من السيد "بيرت" هي نفسها التي تواطأت مع دول أخرى على اغتيال المناضل الفلسطيني محمد المبحوح لأنه رفض أن يبيع بلاده وهذا أمر يجب ألا يغضب أحدا، ورفض التطبيع والتنازلات مع إسرائيل وهذا أبسط حقوقه فحكم عليه بالإعدام لهذا السبب وحده، وتم اغتياله بطريقة وحشية وبشعة وبموافقة وتواطؤ من عدة دول من بينها دولة السيد "بيرت" التي لها مقعد دائم في مجلس الأمن ومهمتها أن تقوم بحراسة الأمن والسلم العالميين، وهو ما كشفت عنه شرطة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة في حينه.
الفشل في إدانة اغتيال طفل سعودي قتل بدم بارد، والاندفاع نحو إدانة تنفيذ حكم قضائي في مجرمة بعد إدانتها وثبوت الجريمة بكافة أركانها القانونية وحصولها على محاكمة عادلة بمتابعة من سفارة دولتها وجهود مبذولة من قبل حكومة المملكة العربية السعودية من أجل تسوية القضية، يؤكد أن القضية ليست مجرد إعدام "سيدة سيرلانكية" فنحن أمام تعنت يتجاوز القضية ذاتها إلى إدانة الدولة بكافة مؤسساتها وهذا هو مصدر القلق البالغ من ردة فعل كهذه، ويمكن اعتبارها عدم ثقة في المؤسسات العدلية والأمنية في المملكة العربية السعودية. ويبدو أنها رغبة في الانتقاص من حد الشرع المطبق وتنفيذ القتل بالسيف وهو الانتقاد المزمن الذي يتم استحضاره في كل مناسبة واستغلال كل قضية لفتح باب السخرية من الشرع والدين الإسلامي.
الدولة التي طالما افتخرت بسجلها النظيف في النزاهة وفي حقوق الإنسان واندفعت نحو إدانة تنفيذ حكم قضائي بالقصاص من امرأة مجرمة، هي نفس الدولة التي ترفض إدانة قتل آلاف الفلسطينيين وهدم منازلهم على رؤوسهم بالجرافات وقصف النساء والأطفال بالطائرات، وهي نفس الدولة التي ساهمت قواتها مع حلفائها بقتل عشرات الآلاف من العراقيين والأفغان أثناء العقد الماضي، أليس هذا هو السقوط الأخلاقي في أبشع صوره؟.
التعامي من قبل رجال السياسة الأوروبيين عن قتل آلاف العرب والمسلمين والانشغال بالقصاص من مجرمة صدر بحقها حكم من القضاء السعودي الذي يفترض أن يحظى باحترام متبادل حسب الاتفاقيات الدولية دليل على الفجوة الواسعة بين الغرب والدول العربية والإسلامية.
هذه القضية تثبت للمرة الألف الازدواجية في المعايير من قبل الغرب بشكل عام وأوروبا بشكل خاص في كل قضية تخص الدول العربية، وتثبت النفاق السياسي في أكثر صوره قبحا، ورغم ذلك لا يزال غير موجود في نظر صناع السياسة في الدول الغربية الذين لا يزالون يتجاهلون جميع هذه الحقائق ويتساءلون بعد كل أفعالهم وأقوالهم لماذا تكرهوننا؟.