لو اجتمعت شعوب المعمورة على الإساءة إلى أمتنا العربية، لما استطاعوا أن ينافسوا معظم شعوبنا على مقدار إساءتهم إلى سمعة أوطانهم واستهتارهم بمكاسب مجتمعاتهم. باسم الوطن يتمادى (الزعيم) بقتل شعبه للتشبث بما تبقى له من أركان زعامته، وباسم الحزب يتشدق (السيد) بشجاعته مختبئا وراء عباءته ومتخفياً بعمامة أسياده، وباسم الجهاد يفجر (الإرهابي) حزامه ليقتل الأبرياء الآمنين من أبناء جلدته، وباسم عقيدتنا السمحاء يهدد (المتشدد) كل مسؤول بالدعاء عليه بالمرض والموت إذا لم يستجب لتقاليده وعاداته التي فضَّلها على سماحة عقيدته وعباداته.
ولو اتحدت شعوب الأرض على فضح أسرار العالم العربي والتندر بأقواله وأفعاله، لما استطاعت أن تنافس وسائل إعلامنا العربي على شهيتها المفتوحة لفضح أسرار شعوبنا الضائعة وتقصيرها المهين في إثراء العلم والفكر والمعرفة بين صفوفنا المبعثرة. باسم (الإعلام) تتحدى معظم فضائحياتنا العربية كل فضائيات العالم في استباحة عقول شعوبنا العربية وتسميم أفكارها وتشتيت أهدافها، وباسم (التغريد) تتهافت مدونات تواصلنا الاجتماعي على تعظيم الخلافات وبث الإشاعات وشخصنة المهاترات، وباسم (الديمقراطية) تتعالى أصوات النشاز على أساليب الحوار لتتكشف ضراوة مواقفنا المتباينة.
حتى مواقعنا الإلكترونية الرسمية، المكشوفة أمام العالم، لم تَسْلَمْ من تهاون القائمين عليها في أداء واجباتهم وتقصيرهم في تنفيذ مهامهم. يكفينا اليوم زيارة الموقع الإلكتروني الرسمي الخاص بمؤتمر القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، التي ستنعقد في الرياض بعد أسبوع واحد، خلال الفترة 21-22 يناير الجاري، لنفاجأ بضحالة محتوياته وتقادم معلوماته واستخفافه بقرائه. فالموقع الذي يتكون من 13 صفحة إلكترونية قديمة ومهملة، يحتوي في صفحته الرئيسية على جملة واحدة من سطرين فقط بتوقيع الأمين العام السابق للجامعة العربية "عمرو موسى"، الذي استقال قبل عامين من منصبه في 12 فبراير 2011، بالإضافة إلى رسالة يتيمة من ثلاثة أسطر فقط للمنسق العام للقمة العربية "ميرفت تلاوي".
الصفحة الثانية للموقع تتحدث عن المشروعات والمقترحات المقدمة من اللجـان الدائمـة للقمة، والتي لا تتعدى مشروعين يتيمين فقط: المشروع الأول يختص بتعزيز القدرات في الأجهزة الإحصائية العربية لاستخدامها محلياً وإقليمياً ودولياً من أجل التخطيط السليم المبني على البيانات والحقائق الإحصائية الدقيقة، والمشروع الثاني يتطرق لبرنامج التعاون الطوعي للأرصاد العربية للارتقاء بمستوى خدماتها وتفعيل أنشطتها وبرامجها، لتلبية احتياجات القطاعات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية ودعم أبحاثها العلمية والتطبيقية.
وتطالعنا الصفحة الثالثة التي تحتوي على عدد وأسماء الدول العربية، قبل مولد دولة جنوب السودان في 9 يوليو 2011، وكأن الموقع يخجل من نشر قدرات العالم العربي الخارقة على تقسيم الأوطان في عصر التكتلات الاقتصادية والاتحادات التجارية. أما الصفحة الرابعة الخاصة بالدراسات التي أجرتها القمة، فقد تفانى الموقع في حجب محتوياتها واكتفى بسرد عناويين 13 دراسة فقط في مجالات التجارة البينية والاستثمار والأمن المائي والزراعة والبطالة والبحث العلمي والطاقة والمناخ. وتأتي الصفحة الخامسة لتتحدث عن الاتفاقيات والمعاهدات، التي يطالبنا الموقع، إذا أردنا التعرف على محتوياتها والاستئناس بأحكامها، بزيارة موقع آخر لا اسم له ولا عنوان!
أما الصفحة السادسة المختصة بمؤشرات وإحصائيات الوطن العربي، فقد توقفت عند عام 2007 عن رصد المعلومات السكانية والاقتصادية والاستثمارية، وكأنها تُفَسِّر وضع العالم العربي الذي يغط في سبات عميق منذ 5 سنوات. ومع ذلك حجبت هذه الصفحة جميع معلوماتها القديمة وغطت هي أيضاً في سباتها العميق.
وبينما سعت الصفحة السابعة إلى سرد عدد اجتماعات اللجنة التحضيرية على المستوى الوزاري العربي التي لا تزيد عن 6 اجتماعات فقط، كان آخرها في 6 سبتمبر 2007، إلا أن هذه الصفحة آثرت عدم ذكر عدد ومواضيع هذه الاجتماعات، ربما لفشل نتائجها. وكذلك يفاجئنا الموقع الإلكتروني في صفحته الثامنة بقرارات الاجتماع الوحيد لمجلس جامعة الدول العربية والمنعقد على المستوى الوزاري في دورته العادية رقم 128 بتاريخ سبتمبر 2007، دون الإفصاح عن هذه القرارات ومحتوياتها.
وتتصدر الصفحة التاسعة للموقع الإلكتروني قائمة تحتوي على 28 مشروعا مقترحا من مؤسسات المجتمع المدني العربي، التي ينحصر نصفها في إنشاء الشبكة العربية للبيئة والتنمية "رائد"، لتفعيل دور المجتمع المدني العربي في مواجهة مشكلة التغيرات المناخية. أما النصف الآخر من المشاريع المقترحة، التي لم نسمع عن نتائجها، فتنحصر في التطوير والتمكين الحضاري، وإقامة أمانة خاصة لمتابعة اتفاقية حقوق ذوي الإعاقة، وتفعيل المبادرة الإقليمية لتفعيل المسؤولية الاجتماعية للإعلام العربي، وتطوير مؤشرات مجتمع المعلومات وتأسيس التلفزيون النقال ومنظومة المفتاح العمومي للإمضاء الإلكتروني، إلى جانب إنشاء السوق الافتراضية العربية للمناقصات والمشتريات، والصندوق القومي العربي لوقاية المجتمع من المخدرات، وتكوين الاتحاد العربي لمكافحة المخدرات والمسكرات والتدخين.
وتهتم الصفحة العاشرة بمتابعة المشاريع والمقترحات المقدمة من المنظمات العربية المتخصصة والتي وصل عددها إلى 36 مشروعاً، مثل إنشاء بنك التنمية الصناعية العربية، ودعم برنامج تنمية الاستثمار في المنطقة العربية، وإنشاء مؤسسة عربية لتمويل مشروعات القطاع الخاص، وإبرام اتفاقية عربية لتجارة الخدمات. وفي الصفحة الحادية عشرة تطالعنا قائمة من 15 مشروعا مقترحا من القطاع الخاص في عالمنا العربي. وتتألق الصفحات الأخيرة، الخاصة بالمشاريع والمقترحات المقدمة من الاتحادات العربية، لخلوها من المعلومات والبيانات، وكأن المسؤولين عن الموقع فقدوا الأمل في حصر قائمة أخرى من المشاريع الواهية. وما زال هنالك من يحاول جاهداً الإساءة إلى ما تبقى من سمعة أمتنا العربية.