سواء كانت "الكراهية" في خطاب أو حوار أو عمل، تظل قبحا وظلاما أسود يخيم على الفكر والروح ويأكل الجسد، وبقدر ما حاولت أن أتحاشى هذه الكلمة البغيضة، بقدر ما أجد آثارها تمتد وتتوسع حتى وصلت إلى أعمق وأطهر علاقة بين الإنسان وربه؛ الدعاء!

نحن حين نرفع أكفنا إلى السماء طالبين التقرب من الرحمن الرحيم أن يستجيب دعاءنا، نكون في حالة نقاء وطهر قلب لا يمكن أن تعكره وتدنسه مشاعر قبيحة، سوداء تحول المحبة إلى بغض والسلام إلى حرب أو التآخي إلى تقسيم وتفتيت في جسد المجتمعات، الأوطان، بل الأمة التي كانت يوما جامعة حية! هل قرأتم أو سمعتم أدعية الكراهية؟! لا بد أنه مر عليكم بعض منها، واللهِ يستحي الفرد منا أن يردد ولو جزءا بسيطا منها! فلا تترك لا أخضر ولا يابسا ولا شجرا ولا حجرا، ولا تترك العرض ولا الأرض ولا الأزواج ولا الأبناء ولا حتى الصحة، دون أن تطلب من الله سبحانه وتعالى أن ينزل بهم أشد عقاب، وتعالى الله عن أحقاد البشر!

أصبح لدينا اليوم أدب جديد: "أدعية الكراهية"! فهنيئا لنا بهذا الأدب الجديد! كلمات موزونة مرتبة تشحن المشاعر وتستجدي الضمائر الحية، بكل السموم الخفية و.. الحية! أدعية أصبحت تُغنى أناشيد وتوزع من قبل فاعلي الخير يطلبون أن تدعو لكل من أسهم في هذا العمل، الخير والمثوبة والجزاء و... الدعاء! ولا مانع من وضع بعض الصور المؤثرة لأطفال في كينيا ونقول إنهم من الصومال، لنساء من السند ونقول إنهم من الصعيد، كل ذلك لا يهم، فقليل هم من سيتخطون جاذبية وتأثير الكلمات أو يفلتون من قسوة الصور ويبحثون عن الأصل، فحسب منطقهم الأعوج الغاية تبرر الوسيلة وعليه لا يفرق من أين أتت الصور، الهدف هو أن تصل الرسالة ويتم حشد المشاعر في بوتقة نجسة اسمها... الكراهية! في بحور النت، على الرائي، على المذياع، على أجهزة الاتصال، وعلى الـ"يوتيوب"، يستغلون كل سبل التواصل لقطع التواصل!

إن التمييز بين الخير والشر الذي يجسده البعض على أنه بين "نحن" و"هم"، يجب أن يكون تمييزا بين ما يجري في دواخلنا من معارك، مع شياطيننا، وطوبى لمن تحدى نفسه وتغلب على أهوائها... هنا تكمن المعركة الأساسية، وليست في النبش خلف البشر، أو تقليب القلوب وذر الكراهية في الأنفس النقية، خاصة تلك التي وضعت ثقتها بمن يتحدث عن المحبة والطاعة وتزويد الذات بطاقات إيجابية، ثم ومن غير "إحم ولا دستور" تجدهم يدسون رسائل الكراهية ويمررونها كمرور الماء من الغربال! إن رسائل الكراهية تؤدي إلى جرائم الكراهية سواء كانت تعديات جسدية أو لفظية أو حتى نفسية، وتقوم على تفرقة البشر من خلال زرع الخوف "من" أو الخوف "على" الذي ما يلبث أن يتحول إلى كراهية لا تنتج عنها إلا المآسي والمعاناة! يتغاضون عن الإنجازات، ويشوهون النجاحات، وحين يرون الخطأ يضخمونه للتشهير، للتحطيم، والانتقام! يبررون هجومهم على كل من يعارضهم أنه حسب رؤاهم يشكل خطرا عليهم، بأنه هجوم وقائي! أولم يروا ما فعلت الحروب الوقائية، رغم كل ما ألبست من تبريرات؟ ألم تكفهم أمثلة من بدؤوا مسيراتهم بالخير وفجأة تحولوا إلى أبواق الكراهية، مؤمنين في دواخلهم أنهم ليسوا إلا أهل الخير، يرسلون شبابنا إلى الموت وهم وأبناؤهم آمنون؟!

في كتاب كريستوفر بروانينج: "رجال عاديون"، يقول إن أعضاء الحزب النازي لم يكونوا أشراراً من الأساس، بل جاؤوا من طبقات العمال والوسطى والفقيرة، لكن كيف تحول هؤلاء إلى أشرس أنواع البشر بحيث قاموا بكل هذه الفظائع؟! الإجابة: خطب الكراهية! وفي كتاب "الرايخ الثالث: تاريخ جديد" أوضح مايكل بيرلي أن صعود النازية لم يكن إلا نتيجة لتسليم جماهير من الناس العاديين، عقولهم والتخلي عن عبء التفكير لأنفسهم، لمصلحة سياسة قامت على الإيمان والكراهية والاعتقاد بأنهم شعب أرقى من بقية الشعوب، مما أنتج انهيار مجتمع صناعي متقدم في قلب أوروبا! وعليه أردد أن من يترك خطب الكراهية تتفشى بين أفراده إلى درجة يصبح فيها ذلك أمرا مقبولا، ولا يستنكره المجتمع لخروجه عن نطاق ما جاءت به تعاليم ديننا السمح، ودروس سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام في التعاملات الإنسانية، سوف يدفع بهؤلاء وأمثالهم كي يتعدوا على كل مقومات أمن وأمان الوطن، بل سوف يتسلل شرهم ليقطع أواصر كانت تربط أمما!

نعم لكلّ رأيه، نعم نحترم آراء الغير وندافع عن حق من لديه فكر أن يتقدم ويعرضه، ونستمع إليه ويستمع إلينا بالمقابل، ولكن أن يصل الأمر إلى نشر الكراهية فهنا خط أحمر، هنا يصبح الأمر مصيريا، ولم يعد من حقه أن ندافع عنه، لأنه أصبح تعديا، ومن حقنا أن نواجهه، ولا ننتهج الصمت والتغاضي لمجرد أننا نحبهم أو نحترمهم، وكما قال علي الخالدي: "نحن محاسبون على ما نقول، وعلى ما لا نقول، حين يفترض بنا أن نقول"!