• المجتمعات البشرية تستدعي ذاكرتها للتعبير عن عراقتها وأحقيتها بالوجود. الشعوب منذ آلاف السنين وفي كل قطعة من هذا الكوكب تمجّد أمثولاتها الكبرى. معاركها وفرسانها، رجالها الأوائل ونساؤها الفذّات.. يُستلهمون في الكتاب المدرسي، في الأغنية والقصيدة والتمثال والشارع، وكلها تقول إن ملاحم الأمم، أساطيرها وعذاباتها، انتصاراتها وهزائمها، غنائمها وتضحياتها.. لم تكن إلا ما كان عليه نساؤها ورجالها معاً.
• الطبيعة والتاريخ لم يغيرا كلمتها أبداً، لم يستثنيا أي زمن ولا مرحلة، بل إن كلمتها هي نفسها؛ أنه لا مشروعية ولا مجد ولا وجود للبقاء الإنساني بغير شقّيه جنباً لجنب؛ امرأة ورجلاً، وكل محاولة للانقضاض والاختزال والتضييق على أحدهما، لن يكون سوى اعتداءٍ على البقاء والمشروعية.. وطعنٌ للتاريخ في مادته.. إذ إنه كلما بخست أحد طرفي وجودكهذا في حقّه الإنساني والطبيعي.. تكون قد بخست حقّك أنت، وبنفس المقدار، في بقائك.. تكون قد بخست حقّك في المشروعية والتاريخ.
• منذ العام 1959 والذي أصدر فيه المرسوم الملكي بافتتاح مدارس للبنات، وبعد معارضات شديدة وفتاوى لا آخر لها بتحريم تعليم المرأة، حتى إن أحدهم كان يقول إن تعلّم المرأة للقراءة والكتابة هو الشرّ كله، وآخر يقول إنه إنما تستعمل المرأة لحاجة الرجل والبيت.. بعد الكثير من هذا، وبعد أربعةٍ وأربعين عاماً يصدر مرسومٌ ملكي بإدخال المرأة في مجلس الشورى، ها هنّ ثلاثون امرأة صار بوسعهن الآن أن يتدخلن، في مجلس الشورى بتقرير ما أمكن في حق مصير مجتمعٍ خامٍ وصعب!
• العجيب أن الذين عارضوا تعليم المرأة وحرموه وجرّموه، وهاجموا القرار حينها، قبل أربعةٍ وأربعين عاماً، هم هم أنفسهم، لم يتغيروا، هم أنفسهم الذين يطاردون النساء في قطع رزقهن، بالأمس هاجموا بكل شراستهم المرأة في حق تعليمها، واليوم يشنّون الهجوم نفسه في حق عملها، بنفس المسوغات ونفس النظرة والفكرة عن المرأة؛ إنها شرّ، ولا تصلح إلا لحاجة الرجل والبيت.. فتعليمها قبل أربعة عقود في منطقهم كان شرّاً، وعملها بعد أربعة عقود شرّ، بمنطقٍ لم يتغيّر للأسف!
• في برنامج الثامنة مع داؤود الشريان كانت السيدات ثريا عبيد وسلوى الهزاع وحياة سندي ضيوف الحلقة، وكل واحدة منهن لها قصةٌ كفاحٍ وعناءٍ طويلة عريضة، وكلهن يحملن سيراً وتاريخاً جديراً بالاحترام. السيدة ثريا عبيد حين سُئلت عن القلق الذي يصاحب تواجد المرأة في أي شيءٍ أو مكان، قالت بواقعية ودقة إن "المرأة جزء من الحل، ليست جزءاً من المشكلة".