سألتني قيادية في التعليم سؤالاً منطقياً، وإن كانت الإجابة عليه ليست بسهولة إلقائه، قالت: منذ سنوات ونحن نرتب ونؤطر للجودة ونحاضر ونقدم مؤتمرات ومع ذلك لا نرى تطبيقاً حقيقياً لها؟!
في الواقع، الجودة ليست جملاً أو حديثاً شائقاً وحالماً عن وضع الكل فيه سعيد وراضٍ.. الجودة تطبيق، وهذا التطبيق يحتاج لتجهيزات معينة تمكّن المتدرب على الجودة من تحقيق الجودة فعلياً في المدارس والإدارات، وتُلمس بعد ذلك نتائجها في رضا الأسر والوطن والموظفين والقيادات،
لذا فهذه السنوات التي صرفتها الوزارة في التنظير للجودة - برأيي - كان يجب أن يسبقها أولاً تجهيز بيئة العمل والمدرسة للجودة، ثم تعريف الكوادر على الجودة وكيفية تطبيقها. أما عبارة "تطبيق الجودة في المدرسة في النطاق المتوافر"، فبالنسبة لي هي عبارة صادمة ومفتتة لأي رغبة في تطبيق الجودة!!
فبدءاً من المبنى المدرسي فمدارسنا بتصميمها الحالي لا تتطابق مع الجودة، فمبنى المدرسة الجيدة يمتد أفقياً وليس عمودياً، كما أن فصل المستقبل ليس سبورةً ومعلماً وكتاباً، بل "داتا شو" وسبورة تفاعلية وثلاث سبورات أخر في جهات الفصل لتعمل عليها المجموعات، كما أن الساحات تحتاج على الأقل كراسي يجلس عليها الطلاب وليس الأرض، ناهيك عن المصاعد لذوي الاحتياجات والمعامل التفاعلية...إلخ.
لكن علينا أن نكون صريحين، فالوزارة ممثلة في الوزير أعلنت أكثر من مرة أن نصيب التجهيزات والمباني لا يتجاوز 20% من الميزانية!!
تمنيت حقيقةً لو أن أعضاء مجلس الشورى الذين ناقشوا الوزير وفريقه قبل أسابيع تحدثوا عن هذه العشرين بالمئة، وأين تصرف؟ لكن يبدو أن الأعضاء قرروا أن تمر مداخلاتهم على الوزارة مرور الكرام ولم يتطرقوا لأمور مهمة لنا نحن الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات.
في مدارسنا معلمات ومعلمون ومديرات ومديرون ومشرفات ومشرفون لم ينتظروا الوزارة ولا هذه العشرين بالمئة، فقرروا من مالهم الخاص تجهيز مدارسهم للجودة.
الأستاذة منيرة أمجد، مشرفة إدارية، كانت تعمل على تجهيز مدرستها عندما كانت مديرة بمالها الخاص؛ مما أدى إلى انتقال روحها المعطاءة لمعلمات المدرسة فانطلقن في تجهيز المدرسة بتبرعاتهن العينية؛ فكانت المتوسطة العشرون من أوائل المدارس المطبقة للجودة في جدة.
التقيت بالأستاذة منيرة في مدرستي التي أعمل فيها مؤقتاً لحين صدور قرار ابتعاثي فكان الحديث عن الجودة وتطبيقها، وقد أثمر عن تفعيل ما يسمى براعي الجودة، وهو نظام معمول به في أميركا وبريطانيا وغيرهما، حيث يتم إشراك رجال الأعمال في رعاية المدارس عبر تجهيزها وتحسب لرجل الأعمال كشراكة مجتمعية ويخصمها هو من المال المحسوب للإعلان.
حصلنا على الإذن من مدير إدارة التربية والتعليم في جدة الأستاذ عبدالله الثقفي، وكنا نتوقع ذلك؛ لما يتميز به من مرونة في الإدارة وحرص على تشجيع الأفكار المميزة. وكان أول من عرضنا عليه المشروع الدكتور ناصر الرشيد، وهو رجل الأعمال الوطني المعروف، والذي يعرف أن الربح الحقيقي هو ما يأتي عبر الاستثمار في الوطن، فكيف لو كان تلاميذ يتعلمون في بيئة مميزة ومدرسة جاذبة؟
لم تمضِ سوى فترة قصيرة حتى وصلنا أول شيك "بمبلغ وقدره" سيستخدم في تحويل المدرسة إلى مدرسة رقمية تشارك في مسابقات التميز، كما سنجعل جزءاً من المبلغ لبناء مصعد لذوي الاحتياجات الخاصة.. وأظنكم تذكرون مقالي عن أسماء قبل أسبوعين التي شاء الله أن يجبر خاطرها الدكتور ناصر ممثلاً في شقيقه الأستاذ صالح الرشيد.
إن هذه التجربة لم تنتهِ هنا، فلقد عرضت علينا شركة سادكو أن تمول برنامجا تدريبيا للكادر كله من معلمات وإداريات، كما أن هناك بنكاً أبدى رغبته في تمويل مدارس أخرى، وهذا دليل على رغبة رجال الأعمال والشركات في دعم التعليم.
مما يوصلني لفكرة عرضتها عليّ الأستاذة أمل شيرة - وهي مالكة شركة - تقول أمل: لِمَ لا تتقدمون بمشروع لوزير العمل عادل فقيه وهيئة الاستثمار، بحيث يفرض على الشركات دعم المدارس بجزء من الأرباح، مقابل حصولها على مكافأة من وزارة العمل بأي طريقة يسمح بها النظام وتسهل عمل الشركة، وتكون من الأهمية بحيث تحرص عليها الشركة أو البنك؟
إن الدول الغربية تقوم بتخفيض الضريبة على الشركات التي تقدم خدمة مجتمعية، بل إن شركاتنا تفعل ذلك في الخارج؛ تفتتح مدارس وتبني منازل، فلِمَ لا ندفعها نحن للعمل في الداخل؟ أولادنا أولى من غيرهم، أليس كذلك؟