"سعود العواد" معلّم شاب، من غمار الـ500 ألف معلّم ومعلّمة من منسوبي وزارة التربية والتعليم، بيد أنّ هذا المعلّم، جعل تلك الوزارة العتيدة، بكل كهنة البيرواقراطية فيها، وأساطين القانونيين الذين يملأون مكاتبها؛ تتراجع عن قرار مخجل اتخذته بتقليص إجازة المعلمين إلى 29 يوماً، عندما هدّد بمقاضاتها عبر مواقع الإنترنت الخاصة بالمعلمين، لأنّ هذا القرار ليس من اختصاصها، وأنه مخالف لبنود وزارة الخدمة المدنية.

بالطبع، جيلي ورث عن الجيل السابق الإذعان وهز الرؤوس، والرضوخ للقرار اتكاء على أنه لم يصدر إلا بعد مروره على أولئك الأساطين، غير أنّ هذا الجيل الجديد، ملمّ ومدرك لحقوقه. لذلك عندما سألت العوّاد عن ردة فعله الإيجابية تلك، أجابني: "فوجئت بذلك القرار، وبدأت أبحث في قانونيته، ووصلت لمخالفته نظام الخدمة المدنية، وعندما هددت بمقاضاتها، كنت أعرف أن هناك طرقاً قانونية يستطيع من خلالها أيّ متضرّر أخذ حقه، ولو كان خصمه وزارة بحجم التربية والتعليم".

الحديث عن الوزارة متشعّب جداً، بيد أنني في مقالتي هنا، أودّ التركيز على موضوع الشفافية المالية، من خلال الدور الخلاق الإيجابي الذي قام به الزميل سعود العواد، وأجزم - غير متألّ على الله - أنّ وزيرها سمو الأمير فيصل بن عبدالله، من أخلص الناس، وليتسع صدر سمو الوزير في هذه الوقفات، التي أروم من خلالها مصلحة الوزارة والوطن.

الزميلة "الاقتصادية" نشرت تقريراً قبل أسبوعين، جاء فيه: "أنفقت السعودية على التعليم من مخصّصات الميزانية خلال العقد الأخير نحو 1.21 تريليون ريال تمثل 44% من إجمالي الإنفاق المخصّص لستة قطاعات كبرى في السعودية." خلال عشر سنوات كان هذا الترليون فقط على وزارة التربية والتعليم، ولنقارن ذلك بآخر الإحصاءات الصادرة، والمنشورة على موقع (وزارة التربية والتعليم) على الإنـترنت، لنجـد أن 48% من مـدارس السـعودية في عـام 2011، هي مبـان مستأجرة.

بالتأكيد أن النسبة انخفضت خلال العام الماضي، ولكن يحق لنا أن نتساءل عن أوجه صرف الأموال، وهي بالمليارات، صحيح أنّ الرواتب تلتهم حوالي الـ85% منها، ولكن ما بقي ليس بالقليل أبداً، وها هم الكتاّب يصرّحون – في ظل غياب الشفافية - بأنها تذهب لحفلات العلاقات العامة للوزارة، وربما قرأت ذلك في حوار الزميل جاسر الحربش في موقع "سبق".

أحد مديري المدارس في جدة، اتصل بي وقال بأنّ الميزانية التشغيلية التي اعتمدتها الوزارة خلال العام الدراسي الفارط، وخصصت للمدارس مبالغ سنوية تصل إلى 98 ألف ريال للمدرسة، التي تحوي قرابة 800 طالب، وأكثر من 50 معلماً؛ هذا المدير يقسم بالله إنّ أكبر مبلغ استلموه وقطاع كبير من المدارس هو 34 ألف ريال فقط، وبحسبة رياضية بسيطة بضرب الفارق في عدد المدارس نجد أنفسنا أمام مبالغ مهولة.

بعيداً عن مآل بقية تلك المخصصات، وأين ذهبت، أطرح هنا اقتراحاً يحلّ مثل هذه الظنيات المستريبة، ويوقف التكهنات حولها، بأن تصدر الوزارة تعميماً، بنشر كل القوائم المالية التي تصرف على المدارس في موقع الوزارة على الإنترنت، فتكون أمام المجتمع وبصره، وتضرب الوزارة مثالاً إيجابياً في الشفافية المالية، بحيث لا يأتي العام المقبل، إلا والمجتمع يعرف أين صرف كل ريال من المليارات التي خُصصت لوزارة التربية من الميزانية العامة.

مجلس الوزراء أقرّ في عام 2007 تسعة مليارات ريال لتطوير التعليم العام خلال ست سنوات، وها هي السنوات الست انقضت، وبودنا تفاصيل إنفاقها ونشرها على الملأ.

أرسلت لي زميلة كريمة مبتعثة في بريطانيا، تحضّر رسالة الدكتوراه، هذه الرسالة قبل يومين، قالت فيها: "يا أستاذي كان لي بحث ضمن دراستي هنا في بريطانيا، كنت أريد أي شيء يوضح لي مدى تقدم مشروع "تطوير"، وجدت استراتيجية أعدها د.علي بن صديق الحكمي يقول فيها إننا سنصل لعصر المعرفة عام 1441، ولكني حاولت البحث عن إحصائيات أو دراسات لتقييم هذا المشروع لأضمّنه في بحثي الذي أقدمه للجامعة البريطانية، فلم أجد إلا سفسطات وأدبيات عامة لا تمت للواقع بصلة ولا تنفع لبحث علمي جاد".

نتمنى أن تضرب وزارتنا الموقرة مثالاً للشفافية، كي تقتدي بها الوزارات الأخرى في ذلك، وتجعل المعلمين مراقبين لكل ريال يصرف من خلال الوزارة، وليس ذلك بالأمر المعجز في عصر التقنيات.