يعد تاريخ الحادي عشر من يناير هذا العام حدثاً تاريخياً بالنسبة لمجلس الشورى السعودي لصدور الأمر الملكي بتعديل نظامه من أجل دخول المرأة في عضويته للمرة الأولى بثلاثين مقعداً من مجموع نسبة المقاعد البالغة 150 مقعداً، حيث وفّى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ بوعده الذي جاء في كلمته تحت قبة المجلس قبل حوالي عام من الآن، بدخول المرأة بتمثيل كامل في مجلس الشورى، وكذلك أحقيتها في الترشح لانتخابات المجالس البلدية ابتداء من الدورة القادمة وفقاً للضوابط الشرعية.
هذا القرار التاريخي هو أحد الركائز المستقبلية، إذ إن لصدوره - في هذا الوقت بالذات - وقعا خاصا لدى فئة كبيرة من النساء الواعيات في المجتمع السعودي بشكل خاص، وكذلك بالنسبة للمجتمعات الأخرى التي يُنظر فيها على أن المرأة السعودية ترزح تحت الظلم والجبروت الاجتماعي، غير أن الأنظمة السعودية التي صدرت والتي ينتظر أن تصدر لاحقاً تدعم حقوق الإنسان عامة وحقوق المرأة بالذات، وبالتالي هي أنظمة تؤسس لمرحلة لاحقة ربما تكون هي الأكثر حساسية لو لم تتم معالجتها في هذا الوقت.
كانت بعض الأسماء المختارة في الدورة الجديدة للمجلس أسماء شهيرة بالنسبة محلياً ودولياً، لما قدمته من جهود علمية وتمثيل للمملكة في المحافل الدولية مثل الدكتورة ثريا عبيد، والدكتورة حياة سندي والدكتورة خولة الكريّع والدكتورة سلوى الهزاع، بالإضافة إلى بقية الأعضاء منهن. وهنا يمكن القول إن المرأة أصبحت يمكنها اليوم أن تعبر عن شؤونها المتعلقة بها تحت قبة المجلس، ويمكنها أن تطرح مشاريع القرارات وتصوت عليها دون أن يتسرب إلى الذات الاجتماعية بأن هناك وصاية كاملة وأبدية من شقيقها الرجل فيما يخص شؤونها.
ولذلك يعبر هذا القرار هو أحد المراحل الضامنة لتمثيل النساء السعوديات في مجلس الشورى، بشراكة مجتمعية تعتمد على المساواة لا على المفاضلة في الحقوق في الواجبات؛ باعتبار المرأة نصف المجتمع، بل هي التي تعمل على تربية جميع أفراده في مراحل نشأتهم الأولى. وغني عن القول إن المرأة تقدم الرأي والمشورة أفضل من الرجل، لأن الأمر ليس متعلقا بقوة الجسم بل بقوة العقل، ولا سيما أن التفكير والإبداع العلمي ليس حكراً على جنس بشري دون آخر، والدلالة كافية في بعض الأسماء المختارة اللائي أبدعن في مشاريعهن العلمية ومناصبهن المرموقة ربما أكثر بكثير من بعض الرجال الذين مثلوا المجلس منذ تأسيسه، والأمر مهما يكن ليس تقليلاً من طرف على حساب آخر.
أما بالنسبة لمعيار الإنتاجية في المجلس فلا أظنه يعتمد على الجنس بل على أمور أخرى كثيرة، وقد رأينا بعض الأعضاء دخلوا المجلس وخرجوا منه دون أن يعرف منهم سوى أسمائهم، وهذا يعتمد على نشاط الشخص في التفاعل الجماعي الأهم بالنسبة للمواطن في كل الأحوال، وهو شعوره بتمثيله في المجلس من خلال القرارات التي تناقشها اللجان والتي تصب في صالحه وصالح مستقبل الأجيال القادمة، ولهذا ربما يعول المجتمع النسائي كثيرا على العضوات في تبني قرارات تخص المرأة وتدعم موقفها الاجتماعي، في ظل التناول الغزير لموضوعات المرأة السعودية في الإعلام المحلي والدولي، إلا أن المنطق بخصوص هذا الأمر يفترض أن يقوم على إتاحة الفرصة والوعي بطبيعة نظام المجلس وطبيعة الظروف المحيطة بنا كمجتمع، وكذلك عدم القفز على مراحل التطور التاريخي، ولا سيما التطور المتدرج الذي يفترض ألاّ يخل بتركيبة المجتمع ولا بحاجاته وأولوياته.
الذي أرجو أن يبعث ضخ الدماء الجديدة في المجلس ومنها العناصر النسائية الحماس في مناقشة مشروعات جديدة تواكب تطورات المجتمع وتطلعاته، مع عدم التركيز على شؤون المرأة-أو أي شأن آخر- على حساب الشأن العام للمواطنين جميعاً.