علي محمد القرني
هيئة التحقيق والادعاء العام -بالرياض
يعتقد الكثير أن جريمة غسل الأموال حديثة عهد عندما ارتبطت بأوساط عصابات تجارة المخدرات والتهرب الضريبي في الولايات المتحدة أوائل التسعينات، إلا أن الواقع يثبت أن تلك الجريمة عُرفت قبل ذلك عندما ارتبطت بالقرصنة البحرية في المحيطين الهندي والأطلنطي، وقد تم تتبع تلك الجرائم وتقديم مرتكبيها للمحاكمة كحالات منفردة، غير أن دول العالم عندما أدركت خطورة جريمة غسل الأموال وآثارها المدمرة على الأمن والاقتصاد إضافة إلى آثارها السياسية والاجتماعية بدأ التفكير في وضع سياسات تكفل مكافحتها، والتي من أبرزها وثيقة المخطط الشامل لمكافحة استعمال العقاقير والاتجار غير المشروع بها التي صدرت عن المؤتمر الدولي المنعقد بالأمم المتحدة عام 1987 ثم تلاه إعلان بازل عام 1988 ثم جاءت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية عام 1988 الشهيرة باتفاقية فينا وهي أول وثيقة قانونية دولية تعتمد تدابير وأحكاما محددة لمكافحة غسل الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات، غير أن الوضع في السعودية يختلف عن غيره في أي بقعة من العالم باعتبار أن أحكام الشريعة الإسلامية قد جاءت للمحافظة على كل ما يحفظ الضرورات الأساسية للإنسان، وكذا حماية المجتمع من شرّ ما يتعرض له، كما أن أحكامها اشتملت على أوجه التصدي لكافة الظواهر الإجرامية ونهي الإنسان عن إيذاء الآخرين أخلاقيا أو ماديا.
ففي مجال غسل الأموال نلاحظ أن الشريعة الإسلامية قد حرمت كافة الطرق لاكتساب المال الخبيث، ويخطئ البعض في أن جهود مكافحة ظاهرة غسل الأموال والكسب غير المشروع في المملكة في الجوانب النظامية والإجرائية قد بدأت بصدور نظام مكافحة غسل الأموال عام 1424 فهناك مراسيم وقرارات وخطط وضوابط بدأت منذ فترة ليست بالبسيطة سواء تتعلق بجريمة الحصول على أموال مجهولة المصدر أو إصدار أنظمة تتعلق بالجانب البنكي والمصرفي ومنها:
أ –المرسوم الملكي رقم 16 وتاريخ 7/3/1382 هـ بشأن عجز الموظف العام عن إثبات المصدر الشرعي لما يملكه هو وأبناؤه القصر أو البالغون الذين لم يعرف عنهم الكسب وقرر عقوبة المصادرة والعزل من الوظيفة.
ب- إصدار نظام مراقبة البنوك عام 1386هـ وقد شهدت السنوات الأخيرة تطورات تشريعية وإجرائية وجهودا شاملة ومنسقة في مجال مكافحة غسل الأموال وأنشطة تمويل الإرهاب ومنها:
انضمام المملكة إلى اتفاقية فينا عام 1988. توقيع المملكة على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب عام 1998. توقيع المملكة على معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب عام 1999.
مشاركة المملكة كعضو في فريق العمل المالي من خلال عضوية مجلس التعاون الخليجي، وتوقيع المملكة على معاهدة منظمة المؤتمر الدولية لقمع الإرهاب (قرار مجلس الأمن 1373)
وتطبيق المملكة لمتطلبات قرارات مجلس الأمن المتعلقة بتمويل النشاطات الإرهابية، بالإضافة إلى قيام مؤسسة النقد العربي السعودي بإصدار قواعد مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب عام 2003 بهدف تعزيز إجراءات الرقابة الداخلية لدى البنوك وفي قواعد فتح الحسابات وتطبيق مبدأ "اعرف عميلك" ومؤشرات الاشتباه. وكذلك استحداث وحدة مكافحة غسل الأموال في إدارة مكافحة المخدرات ومؤسسة النقد وهيئة السوق المالية ووزارة العدل ووزارة التجارة والصناعة.
أيضا موافقة المملكة على تطبيق التوصيات الأربعين لمكافحة غسل الأموال الصادرة من لجنة العمل المالي (FATF) في عام 1420. والموافقة على تطبيق التوصيات الثمان لمكافحة تمويل الإرهاب 1423هـ.
نضيف إلى ذلك استحداث وحدة لمكافحة غسل الأموال على مستوى المملكة، وهي وحدة التحريات المالية بوزارة الداخلية لتلقي البلاغات وإعداد قاعدة بيانات وتبادل المعلومات مع الجهات ذات العلاقة داخل المملكة وخارجها وجمع المعلومات عن الحالات المشبوهة وإعداد برامج التوعية (دورات – ندوات- محاضرات) ورفع التوصيات إلى اللجنة الدائمة لمكافحة غسل الأموال. وقد تمت إعادة إصدار نظام مكافحة غسل الأموال لعام 1433هـ بما يتماشى مع المستجدات اللازمة لمكافحة الظاهرة.
إن جهة التحقيق المختصة المتمثلة في هيئة التحقيق والادعاء العام تقوم بتأهيل الكوادر البشرية اللازمة لتولي مهمتي التحقيق والادعاء في جريمة غسل الأموال ودراسة الظاهرة وإعداد برامج مواجهتها، والمشاركة في الندوات والمؤتمرات المحلية والدولية وتبني وإقامة العديد منها، وتكليف العديد من أعضاء الهيئة كضباط اتصال مع الجهات ذات العلاقة للتنسيق حول تبادل المعلومات وإعداد البرامج الخاصة بجرائم غسل الأموال ومكافحة الإرهاب.