"لم أكن مولعا بالشعر ولا شغوفا به في مراحلي العمرية الأولى".. بهذه العبارة، استهل الفائز بجائزة شاعر شباب عكاظ في نسخته السادسة إياد حكمي، حديثه إلى"الوطن"، مؤكدا أن الشعر كان الطريقة التي استطاع من خلالها التعبير عن نفسه وعن الأشياء من حوله حين ساقته أقداره إلى غربة ما في بداية حياته.
وقال حكمي: "كان من الممكن أن يكون المسار مغايرا، وربما وجدتني أستبدل القصيدة بناي أو كمان أو ريشة أحكي بها بعض أسراري للوحة بيضاء، ولكن كفة اللغة رجحت أخيرا، بكل ما فيها من موسيقا وألوان وعناصر مستفزة وخلاقة".
وحول التقاط لحظات البوح في ظل هذا الزمن المشحون بوسائل التواصل والمواقع الإلكترونية المختلفة، يؤكد حكمي أنه رغم كل ذلك إلا أن القصيدة تتسلل إليك كنسمة، وتهبط عليك كحمامة، وتجترح طريقها إلى أناملك لتسكن إليك وتملؤك وتمتلئ بك، وتظل الباعث الحقيقي على التعاطي مع هذا العالم المشحون بالأصوات، وربما كان هذا الزحام محفزا للهروب من القصيدة التي لا ملاذ للشاعر منها إلا لها.
وعن الآخرين وتأثيرهم على شعريته يقول: لا شيء يصنع القصيدة داخلي مثل الغوص في هذا الكائن المسمى إنسان بكل اختلاجاته وتناقضاته وتعقيداته فالإنسان هو قصيدتي الكبرى، لم تعد الطبيعة بمكوناتها المحدودة كافية لخلق حالة تأملية محرضة على شعر عال، الرهان بالنسبة لي يتركز بشكل أكبر على قدرة الشاعر/ الإنسان على التماهي مع حالات إنسانية موازية للخيط الشفاف الذي يربط قلبه بقلمه، وليس ضروريا أن تكون رسالة الشاعر مباشرة لتكون مؤثرة، هزائم الشاعر الصغيرة هي نافذة لانتصارات كبرى ليس أولها القصيدة ولا آخرها الانعتاق.
ويوضح إياد: الشاعر تهزمه قطرة ندى أخلفت موعدها مع الصبح لتعقد موعدا آخر مع الليل على خد يتيم، يهزمه الشهيد يدفن واقفا، تهزمه نظرة أنثى لا تعنيه، تهزمه صرخة أولى لطفل تخبئ له الحياة الكثير من الدهشات الأولى، تهزمه أرملة تحتضن رسالة موقعة برصاصة، يهزمه السؤال، يهزمه الجمال، يهزمه قلقه، يهزمه نزقه، وعلى أنقاض هزائمه تقف القصيدة متيحة للحياة أرضا أكثر اتساعا و خصوبة.
وفي ظل ما يروج عن تراجع الشعر، وتسيد فنون السرد المشهد الابداعي يعلق إياد: رهاني الأبدي هو الشعر.. وإن كنت منحازا بشكل أكبر وطبيعي جدا للجيل الذي أنتمي إليه (جيل الشباب) باعتباره يحاول أن ينفذ بجلده من تلك السلاسل القديمة التي ما فتئ الأسلاف يحرصون على وضعها باجتراح أساليب جديدة للتعبير الشعري، وهذا لا يعني نفي الشاعرية من جيل اتكأ عليه هؤلاء الشباب، لأن الكتابة الشعرية كتابة تراكمية، ولا يمكن لها بحال من الأحوال أن تنبثق من العدم!
أما عن المقارنة بين جائزتي الشارقة وعكاظ، قال إياد وهو طالب الحاسب الآلي بجامعة جازان: كانت جائزة الشارقة الشرارة الحقيقية للنار العظيمة، خطفت من خلالها اعترافا عربيا مهما ثم توجني وطني من خلال عكاظ بالجائزة الشعرية الأرفع.
أما عن علاقة المبدع والأندية الأدبية، فيرى إياد أن المبدع لا يحتاج إلى أن يقنن إبداعه، أو أن يخنقه في عنق زجاجة إبداع، المبدع جناحان لا جدوى منهما داخل القفص، يحتاج إلى أفق فسيح كي يفرد فيه جناحيه، ويختبر موهبة الطيران. ثم سيضطر هذا الطائر أن يعود إلى عشه الأول، العش الذي شكل له رئة ثالثه تنفس منها عندما خنقه هذا الفضاء الفسيح.
ويروي إياد قصته مع عكاظ قائلا: بعد مشاركة غير موفقة قبل عامين في جائزة شاعر شباب عكاظ عدت هذا العام بتجربة أنضج وثقة أكبر وتركيز على المضمون بالتوازي مع التركيز على النواحي الفنية، أرسلت نصي في آخر يوم لاستقبال النصوص المشاركة - كما فعلت في الشارقة - وكنت متفائلا بالفوز، مشحونا بطاقة إيجابية هائلة مصدرها الأهل والأصدقاء الذين كان لهم الفضل بعد الله في هذا الإنجاز وما سبقه وما سيليه بإذن الله.
ويختم حديثه إلى "الوطن" قبل اعتلائه منبر عكاظ الليلة: الوصول إلى النجاح صعب نعم، ولكن الأصعب بالطبع هو المحافظة عليه، شعوري الكبير بالمسؤولية يدفعني إلى التفكير مليا فيما بعد عكاظ، وسأعمل على مشروعي بجدية أكبر تضمن لي - إلى حد ما - مكانا في ذاكرة الشعر العربية.