في الوقت الذي تقول فيه بعض الإحصاءات إن أعداد المسلمين في الغرب تزيد بعد كل حدث يسيء إلى الإسلام أو الرسول صلى الله عليه وسلم، بسبب حب تلك الشعوب للاطلاع والقراءة الواعية والعقلانية إلى حد كبير، نجد أن حركة التجييش الطائفي والعرقي التي تجتاح العالم الإسلامي، أنتجت لنا قراء من نوع آخر. هؤلاء القراء يتسابقون إلى النبش ـ ولا أقول القراءة ـ في كتب التراث الإسلامي وخصوصا تلك التي كتبت في أوج الصراعات السياسية وإن شئنا قلنا إنها كتبت بأيدي السلاطين "المتمذهبين" قبل أن تكتب بأيدي العلماء الربانيين. وعندما أصف فعل هؤلاء بأنه "نبش" فلأن القراءة فعل واع يتلمس الحقيقة من جميع جوانبها، أما "النبش" فهو البحث فيما وراء السطور لإدانة الضد، حتى وإن كانت تلك السطور مجرد أوهام كتبها أحدهم في زمن ما، مقابل "صرة" من ذهب أو فضة.

حقيقة أعجب من بعض الدعاة الذين بدلا من أن ينقلوا الصورة الحقيقية لمفهوم العقل والتفكر في الإسلام إلى شعوب الغرب أو الشرق التي تقيس الأمور بعقلانية وعلمية أكثر من أي قياس آخر أصبحوا يصدرون لها "إسلام الطائفة" ويدعونهم إلى الإسلام مبتدئين بالتفاصيل الدقيقة التي تختلف حولها الطوائف الإسلامية، قبل أن يرسموا لهم صورة أشمل عن مفاهيم الإسلام الأساسية (التوحيد ـ السلام ـ المحبة ـ التسامح). أما المشكلة الأكبرـ في نظري ـ في أساليب الدعوة إلى الإسلام فهي عدم التعامل مع الآخرين بمفاهيمهم العقلية، فمثلا، قضية كبيرة ومذهلة لكل البشر، مثل قضية اكتشافات الفضاء والمجرات وما تحويه من عجائب عجز عقل الإنسان ـ وسيعجز أكثر كلما اكتشف أكثر ـ عن فهم الكثير من الأسرار الكونية وخصوصا في جانب اتساع المجرات وضخامتها. هذه القضية العلمية التي تثبت صغر الإنسان وقلة حيلته مهما كان جبروته على أخيه الأضعف منه، لم تأخذ حقها في العرض العلمي الذي يتناسب مع المفاهيم العقلية والعلمية التي يفهمها الآخر جيدا، ففي الغالب الكثير من الغربيين غير المتعصبين أيديولوجيا لا يمانعون من اتباع الحق إذا اقتنعوا بصحته.

صحيح، كانت هناك محاولات نجحت من بعض الدعاة (العلماء) في مجال الإعجاز العلمي، ولكن تلك التجربة مرت بعدة عثرات، خصوصا بعد المبالغة في محاولة تنزيل آيات القرآن الكريم على بعض الاكتشافات العلمية دون تثبت. ما أريد الوصول إليه هو أن أساليب دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، يجب أن تتطور بشكل يتوافق مع علوم العصر، والأهم أن تتبعد قدر المستطاع عن الاستقطابات المذهبية، لأنها قد تثير التوجس وربما الابتعاد عن هذا الدين، بسبب ما يراه المسلم الجديد (المفترض) من تناحر لا يقره عقل ولا دين.