بعد أربع عشرة ساعة من سقوط سيارة العائلة من أعلى قمم "عقبة الجعدة" جنوب المملكة؛ استطاعت إحدى بنات العائلة التغلب على ألمها الشديد، وتمزق أشلاء أبيها وأمها وإخوتها، وأن تتحرك وتتسلق مرتفعاً صغيرًا حتى تلفت نظر أحد السائقين العابرين، وخلال ساعات وصلت فرق الإسعاف والدفاع المدني، لتستمر عملية الإنقاذ البدائية ساعات طويلة، وللأسف لم تكن عائلة مدير المدرسة تدرك أن خروجهم من مدينة "بللحمر" تلك الليلة؛ سوف يكون إلى قبورهم بعد سويعات قليلة، وأنه لن ينجو من تلك المأساة سوى إحدى البنات وعمّتها الجريحة.
سنوات طويلة مرت دونما حلول حقيقية لمصاعب "العقبات"، وهو المسمى الذي يطلق على الطرق الجبلية التي تربط مدن مرتفعات "سراة" الجنوب بمدن "تهامة" أسفل منها، حيث لا يزال الكثيرون من أهالي المنطقة يتحركون بين طرفي العقبات، والخوف الشديد يملأ قلوبهم، ويقض مضاجهم، فهم – بكل بساطة - قد لا يعودون إلى أبنائهم وزوجاتهم مرة أخرى.
نعم لقد قامت وزارة النقل خلال الثلاثين عاماً الماضية بجهود جبارة في سبيل بناء وتعبيد تلكم العقبات، رغم كل المصاعب والتضاريس الصعبة، ولكننا اليوم مطالبون بمزيد من التعبيد والتطوير لتلك العقبات، وتوسيعها بحيث تكون مزدوجة الطريق على الأقل، حتى لو استدعى ذلك إضافة مزيدٍ من الجسور والأنفاق، أو تطويل مسافة العقبة نفسها، بالإضافة إلى زيادة أعداد الحواجز الحديدية والمصدات الأسمنتية، وكذلك اللوحات الإرشادية، وإنشاء مراكز ثابته لفرق الدفاع المدني وهيئة الهلال الأحمر السعودي، ودعمها بالآليات المتقدمة، والفرق الطبية المتخصصة، ذلك أن التواصل بين المنطقتين دائم وضروري، فالبعض يعمل في أبها أو خميس مشيط، ويسكن في "المجاردة" أو "محايل عسير"، أو العكس، كما أن هناك عدداً كبيراً من معلمات التعليم العام يجتزن العقبات يومياً، وفي سيارات متهالكة وقديمة، فضلاً عن أن أهالي "السراة" قد اعتادوا أن تكون استراحاتهم في "تهامة" نظرًا لاعتدال جوّها خلال فترة الشتاء مقارنة بالمرتفعات، فهي تعتبر كالمشتى لأهالي المنطقة، بل البعض قد يتنقل خلال "العقبات" في اليوم أكثر من مرة واحدة، ولك أن تتصور مدى المخاطر الكبيرة التي يتعرض لها، حتى لو كان سائقاً متمرساً، فلحظة انزلاق السيارة أو اصطدمها بأخرى قد لا يكون للعامل البشري أي دخل في ذلك، فكوابح السيارة قد تتحمل جزءاً من المشكلة، غير أن سوء وضيق الطريق يتحمل جزءاً كبيراً من المشكلة أيضا، مما يجعل النهاية المميتة شبحاً يجثم على رؤوس كل من يجتاز هذه العقبات.
هذا الحديث يقودنا كذلك إلى مطالبة وزارة النقل بالعمل على تطوير طريق "الساحل" أيضاً، فهو شريان حيوي من شرايين طرق المملكة، يربط جنوبها بغربها، من جازان إلى جدة، والحركة عليه كثيفة ومستمرة، رغم أن الطريق لا يزال يعاني من سوء صيانته، وضعف الخدمات المساندة فيه، لذا فإن وزارة النقل مطالبة بدراسة واقع الطريق، ومدى كثافة التنقل عليه، لأن رفع كفاءة هذا الطريق سوف يساعد بالتأكيد على تطوير وتنمية المجتمع المحيط، وتنشيط السياحة المحلية، وتخفيف الضغط على الطرق الأخرى.
ولنا في تجربة الطريق رقم "واحد" في الولايات المتحدة الأميركية، أو ما يطلق عليه طريق "المحيط Ocean Road" أسوة حسنة، حيث كان قبل عقود طويلة؛ طريقاً مهملاً ضيقاً، لكن وزارة النقل الفدرالية عملت وبالتعاون بجدٍ مع بلديات الولايات التي يمر بها، حتى تحوّل الطريق إلى مصدر جذب سياحي رائع، حيث أضحى الطريق يتمتع بانسيابية رائعة و"أسفلت" معبد، ومناظر رائعة لا توصف، مطلةٍ على المحيط الهادي، بالإضافة إلى محطات وقود ومطاعم نظيفة على طول امتداد الطريق، وهو الأمر الذي أعتقد جازماً بإمكانية تطبيقه على خط الساحل بالمملكة، خصوصًا مع كثافة المرور عليه، ومروره على عددٍ كبير من المدن والبلدات المتوسطة الحجم.
إن العمل على تعبيد وتوسيع "العقبات" بشكل جذري سوف يساعد على تطوير بيئة المجتمع، ودعم جهود السياحة الصيفية في المرتفعات، وكذلك السياحة الشتوية في "تهامة"، فضلاً عن حفظ أرواح وأوقات المواطنين السعوديين وزاور المملكة، وهو أمر يجب أن يتم بأسرع وقت ممكن، خصوصًا مع زيادة الإنفاق الحكومي في السنوات الأخيرة، فهل نرى اهتماماً حقيقياً من وزارة النقل تجاه هذا الجزء الحيوي من بلادنا؟ هذا السؤال إجابته فقط لدى وزارة النقل وحدها.