أضحى كثير من المساجد والجوامع الكبيرة في المملكة مخصصة لأداء صلاة الجماعة فقط في إشارة واضحة لثقافة وتكاسل الكثير من العاملين على إدارة تلك المساجد، مغيبين دور المساجد على مر التاريخ في بناء حياة المسلمين الدينيّة والاجتماعية منذ نزول الرسالة مروراً بالعصور الإسلاميّة، ولكون الجانب الاجتماعي للمسجد بالنظر للهدي النبوي والتاريخ الإسلامي يتمثّل في التعارف والتزاور ما بين المصلّين وتفقّد الغائب منهم وإصلاح ذات بينهم إلا أن الكثير فقد دور مساجد الأحياء الاجتماعية.

جامع الإمام البخاري بحي الموظفين بمدينة أبها تمسك بتلك الأدوار الاجتماعية وحافظ القائمون عليه بعلاقة المسجد بالمجتمع من خلال البرامج والدورات والمحاضرات والأنشطة الاجتماعية التي تقام في الجامع بشكل دوري ومميز، مما جعل الجامع يجد مكانة خاصة لجميع سكان الحي من خلال التوافد إليه.

يقول إمام الجامع الشيخ حمزة الحجري إن دور المساجد ليس محصورا على أداء الفروض فقط كما هو معهود عند كثير من المسلمين بل الصحيح أن المسجد نواة للحي الذي يقع فيه؛ حيث يجتمع الجيران وطلبة العلم وحفظة كتاب الله، وحتى العمالة الأجنبية تجد من المسجد الكثير من الأنشطة التي تهدف لتقوية عقيدتهم وإحساسهم بانتمائهم لهذا الدين من خلال حسن التعامل معهم.

ويضيف الحجري "نحاول في جامعنا إقامة العديد من الأنشطة التي تتطلب التواصل الاجتماعي من أهالي وأبناء الحي المحيطين بالجامع، وقد شهد شهر رمضان الماضي كثافة في تلك الأنشطة التي تستمر على طول السنة؛ حيث تم تسجيل أكثر من 165 مشاركاً بدورة شذى التبيان الخاصة بالقرآن الكريم؛ حيث تم تخريج حوالي 62 من كافة المراحل، كما تم تفطير أكثر من 16800 صائم، كما أقيمت أكثر من 20 محاضرة بمختلف اللغات للجاليات الوافدة، كما ألقيت حوالي 31 كلمة توجيهية بمشاركة أبرز الدعاة، بالإضافة إلى إقامة مجلس للفتاوى تم خلالها الإجابة على أكثر من 600 سؤال، واستضفنا أكثر من 25 مسلماً جديداً، كما تم تنظيم رحلة للعمرة بمكة المكرمة ضمت أكثر من 270 معتمراً".

ويقول محمد الأحمري أحد سكان حي الموظفين بأن كثيرا من المساجد والجوامع المعروفة تشهد سكونا غريبا في ظل غياب الأنشطة الاجتماعية التي تعمل على التعارف والتكاتف. وأضاف "المسجد يعتبر مؤسسة اجتماعية لأنها تضم أهالي الحي بمختلف طبقاتهم ومستوياتهم وأعمارهم، فالجيران بحاجة لدور الإمام في التعارف والإصلاح بين المتخاصمين والاجتماع على رأي فيما يخص خدمات الحي، وكل ذلك سيتم باجتماع الجيران في المسجد بعد أداء الفروض، ونشكر القائمين على جامع البخاري على جهودهم التي بذلوها لحفظ أوقات أبنائنا.

في حين يبين عبدالحكيم الشهراني أن لأمام المسجد دورا يجب أن يعلمه وهو الدور الاجتماعي لأهل الحي، فهناك المستحق وهناك المحتاج وهناك أصحاب الظروف الأسرية الصعبة التي تحتاج لوقفة جيران الحي، فقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بسابع جار، وهذا ما يجب أن يهتم له أئمة المساجد من خلال جمع الجيران وعقد جلسة يومية أو أسبوعية، والسؤال عن أحوال الجيران الغائبين لكي يصبح لدى المجتمعات روابط قوية في ظل التباعد الذي نشهده في هذا الزمن بين الكثير من الجيران وأهالي الحي".