كثر الهرج والمرج مؤخرا في موضوع زواج القاصرات، وأصبح كل شخص يُدلي بدلوه سواءً في مواقع التواصل الإجتماعي، أو بالقنوات الإخبارية، أو بالجرائد، فمنهم من يقول هذا مخالف للأعراف الإنسانية المعاصرة، ويأتي الرد المعارض والمحبذ لتزويج القاصرات، مستشهدا بعهد الصحابة، وعلى طرف آخر تأتي جمعية حقوق الإنسان مطالبة بإنقاذ القاصرات والتصدي لهذا التعدي اللا إنساني على هذه الفئة العمرية.

هذه هي ردود الفعل ذاتها في كل مرة، ليس هناك رد مقنع، إذا ما طرحت هذه القضية للنقاش، مع الأسف، ولا يتغير شيء، بل ما زال الكهول يتزوجون من قاصرات.

وكعادتي في البحث عندما أريد معرفة أسباب وصولنا إلى هنا، أرجع بالزمن إلى الوراء، أنظر إلى الفترة التي يختلف بها الوضع عن الوقت الحالي، وأبدأ بالمقارنة لمعرفة أين الخلل أو ما الذي أدى بنا إلى ما نحن عليه الآن؟.

أذكر أنني تعرفت على العادات الاجتماعية عند قبائل عسير والزواج تحديدا من قراءتي كتاب: (في ربوع عسير) لمحمد عمر رفيع، و(شبه جزيرة العرب) لمحمود شاكر، فقد لفت انتباهي إلى أن منطقة عسير، كانت مقصدا للزواج، لما شاع عن تفرد فتيات المنطقة بالجمال ويسر الصداق، فكانت أسواق المنطقة تعج براغبي الزواج حتى من الغرباء عن المنطقة، رغم أن انطباق قلة الصداق على أهل المنطقة فقط.

يقول محمود شاكر: (ومن العادات الشائعة أن البنت لا تتزوج حتى تبلغ سن الخامسة والعشرين من عمرها؛ لأن أهلها يريدون أن يستفيدوا منها في العمل في المزارع) وصداق المرأة في عسير معظمه من نصيب أهلها، والقليل لها مع جميع ما يأتي به زوج المستقبل من حلي ومجوهرات وغيرها.

ويقول أيضا: (ومن الشائع أن يتعرف الشاب على فتاته قبل عقد النكاح في إحدى المناسبات من زواج أو ختان أو الأسواق، وبخاصة أن المرأة لا تغطي وجهها، وللمرأة مطلق الحرية في اختيار الزوج، فإذا ما تقدم لخطبتها أحد ولم يعجبها أبت وامتنعت بكل صراحة، ولا تقع أية محاولة من ذويها لحملها على القبول والاستجابة).

نستنتج من ذلك أن أمر زواج القاصرات أمر دخيل علينا، وليس من العادات والتقاليد كما يدعي البعض، وليس بسبب المال أيضا، فقد كانت ظروف الحياة في السابق أشد قسوة من الآن، وكان معظم الصداق آنذاك للأهل، فماذا تغير؟ وماذا طرأ؟.

هل وجود الفتاة كعضو غير فاعل في المجتمع شكلها عبئا على عائلتها؟ فانطبق عليها المثل القائل: "ما تطيح السقيفة إلا على راس الضعيفة.