حدثت سلسلة من الأمور خلال الأسابيع الماضية بيَّنت أنه على الرغم من التركيز الأميركي المكثف خلال العقد الماضي على التهديد الإرهابي الخارجي للبلاد، إلا أن الإرهاب الداخلي لا يزال مشكلة في الولايات المتحدة. ففي 5 أغسطس، فتح شخص اسمه ويد بيج النار على مجموعة من السيخ الذين كانوا يؤدون طقوسهم الدينية في معبد في ويسكونسين، فقتل ستة أشخاص وجرح ثلاثة آخرين. ومع أن بيج قتل نفسه ولم يترك أي دليل يبيِّن دوافع الهجوم، فإن ارتباطه الطويل مع حركة (فولكسفرونت) العنصرية المتطرفة كان بالتأكيد عاملاً مهماً في اختيار ضحاياه.

ويشير تقرير نشرته "مؤسسة ستراتفور للأبحاث" في أواخر أغسطس الماضي أيضاً إلى الجريمة التي ارتكبها فلويد كوركينز في 15 أغسطس حين أطلق النار على حارس أمن في صالة مكتب مجلس أبحاث العائلة في واشنطن لأنه منعه من دخول المكتب، مما تسبب بإصابة الحارس بجروح. وذكرت تقارير أن كوركينز كان يحمل حقيبة مليئة بالذخيرة، وأن اختياره لمركز أبحاث العائلة له علاقة بموقف المكتب من زواج الشواذ.

وفي 16 أغسطس، أطلق أشخاص النار على حارس أمن في منشأة بترولية في لوس أنجلوس وأصابوه بجروح. وعندما حاول اثنان من رجال الأمن مهاجمة سيارة لها علاقة بالحادث فيما بعد تعرضا للقتل، كما جرح رجل أمن آخر بالإضافة إلى اثنين من المشتبه بهم هما برايان سميث وكايل جوكل. وقد اعتقل سبعة أشخاص لعلاقتهم بهذه الحادثة، جميعهم مرتبطون مع حركة عنصرية متطرفة.

جميع هذه الأحداث ناشئة عن تيارات إيديولوجية متميزة: حركة حليقي الرؤوس العنصرية، اليسار المتطرف، وحركة المواطن المستقل (بوس كوميتاتوس). ومع أن الأحداث غير مترابطة من حيث التوقيت والدوافع، إلا أنها تظهر أن هناك تيارات فكرية متشددة يتبناها أفراد معينون على هامش المجتمع الأميركي لا تزال تؤدي إلى تطرف بعض إلى درجة تجعلهم مستعدين لارتكاب أعمال عنف تخدم هذه التيارات. أي إن الإرهاب المحلي الأميركي حي وفي حالة جيِّدة.


التيارات القديمة

الإرهاب موجود في أميركا قبل ظهور التيارات الجهادية بكثير. ففي 1 سبتمبر 1901، اغتال ليون زولجوز الرئيس في ذلك الوقت وليام ماكنلي. وفي 4 أبريل، 1968 اغتال جيمس ايرل راي المناضل الأميركي مارتن لوثر كينج، بالإضافة إلى وقوع حوادث مشابهة أخرى ارتكبها أميركيون مؤخراً. ففي 19 أبريل، 1995، قام تيموثي ماكفي وتيري نيكولاس بتفجير شاحنة مفخخة أمام مبنى ألفريد مورا في أوكلاهوما، مما تسبب بقتل 168 شخصاً.

إن الإرهاب المحلي في الولايات المتحدة ظاهرة دورية ترتفع وتنخفض حسب الظروف والأحداث. الاستقطاب السياسي المكثف الذي حدث في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، وانعدام الثقة إلى درجة كبيرة بالحكومة من جميع الجهات المتطرفة على اليسار واليمين السياسي، والخطاب الذي تشهده الولايات المتحدة خلال هذا العام الانتخابي قد تؤدي جميعها إلى تأجيج المعتقدات السياسية. هذا يعني أن دائرة الإرهاب الداخلي الحالية على الأرجح ستستمر على مدى الأشهر المقبلة على الأقل.


الآثار والتبعات

مع أن الإرهاب المحلي في الولايات المتحدة وصل إلى مستوى مرتفع هذه الأيام، من المهم أن نتذكر أن معظم قضايا الإرهاب المحلي تكون عادة هجمات بسيطة يقوم بها أشخاص معزولون ومتفردون أو خلايا صغيرة. وهذا يعني أن آثار مخاطر الإرهاب المحلي تشبه مخاطر الإرهاب الجهادي والإيراني. بالدرجة الأولى، من المهم أن نتذكر أن الهجمات الإرهابية لا تحدث من فراغ. الأفراد الذين يخططون للهجمات يتبعون دورة محددة، وتلك الدورة مرتبطة مع سلوك يمكن اكتشافه قبل حدوث الهجوم. من المهم أيضاً أن يفهم الأفراد أن من المستحيل على الحكومات أن تحمي الأهداف المحتملة بشكل كامل من جميع أنواع الهجمات. وهذا يعني أن هناك كثيرا من الأماكن المعرضة للهجوم. لذلك على المواطنين أنفسهم، سواء كان ذلك في الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى تتعرض لمخاطر الإرهاب الداخلي، أن يتولوا جزءاً من مسؤولية أمنهم. هذا يعني أن عليهم أن يقوموا بإبلاغ السلطات عن أي نشاطات مشبوهة وأن يضعوا خطط طوارئ لهم ولعائلاتهم وأماكن عملهم للتعامل مع مثل هذه الحوادث.