وهذا ما لا يمكن أن يحدث على الأقل في الوقت الراهن مع أن حدوثه سيمثل فرقا كبيرا في حالة التوجس التي تحيط بالإخوان المسلمين ومستقبل حكمهم وعلاقتهم بمختلف الأنظمة العربية، التي تتعامل لأول مرة مع سلطة سياسية منبثقة عن جماعة. إنما ما المشكلة مع الإخوان المسلمين، أو لأبسط السؤال على طريقة أحد المغردين في تويتر الذي يلاحقني دائما بالسؤال التالي: "أنت وش لك وش للإخوان"؟

لنتخيل أن الإخوان المسلمين مجرد جماعة مصرية، مثلها مثل حزب الوفد أو حركة ستة إبريل على المستوى الجغرافي أو مثل أية حركة سياسية ترفع شعارات دينية يمكن أن تجدها في أي مكان في العالم، لو كانوا كذلك كان سيتم التعامل مع فوزهم بالسلطة في مصر على أنهم مجرد فصيل سياسي خاض الانتخابات وأقنع الشارع ببرنامجه ورؤيته فانتخبه الناس فوصل للحكم، وستتواصل معه كل العلاقات السياسية وفق المصالح المشتركة، لكن ما الذي يمكن أن يجعل حكومات المنطقة تتردد كثيرا قبل إعلان هذا الموقف؟ ببساطة لأن الإخوان يمثلون جماعة عابرة للحدود والجغرافيا. وهنا من حق أية دولة أن تعرف ما مستقبل علاقة الإخوان في مصر بالمنتمين للجماعة من خارج مصر.

في السعودية أو في الإمارات أو في الكويت أو في الأردن، وفي مختلف بلدان العالم العربي يوجد أعضاء ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، وكلنا ندرك أن الانتماء لجماعة الإخوان ليس مثل تشجيع فريق مانشستر أو برشلونة، بل هو موقف أيديولوجي وسياسي يبذل كل ما في وسعه من أجل الوصول إلى أهداف وتحقيق تطلعات سياسية، وكلنا ندرك أن ظروف تشكيل الجماعة اختلفت في كل بلد عن الآخر، وأدى ذلك لبعض الانقسامات ولظهور بعض الفرق الداخلية، إلا أن ذلك لا يعني غياب أو تراجع الهدف السياسي. إذن من حق أي كيان سياسي في أي دولة كانت أن يبحث عن إجابة على السؤال التالي: ما علاقة الإخوان هنا بالإخوان هناك، وهل ستتصرف الجماعة الأم في مصر كجماعة تواصل اعتناءها بامتداداتها الخارجية أم ستعيد ترتيب صفوفها وتتصرف كجماعة مصرية لها ذراع سياسي يعمل داخل مصر فقط؟

على خلفية الأخبار الأخيرة بشأن خلية تم اعتقالها في الإمارات بتعاون استخباراتي إماراتي سعودي، تأكدت تلك الأخبار بعد زيارة وفد مصري رفيع إلى الإمارات لبحث مصير المعتقلين، (علق البعض على أن في الإمارات سجناء مصريين في تهم مختلفة ولم يرسل الإخوان من يتباحث في شأنهم) ونقلت صحيفة أخبار الخليج في عدد يوم الأحد الماضي عن مصادر تصفها بالموثوقة تورط شخصيات تتبع لجماعة الإخوان في تلك الخلية. هذه الواقعة تقودنا إلى ما يمكن اعتباره مطلبا مستحقا الآن وبادرة إيجابية ومهمة إذا ما قام بها الإخوان فستسهم في رفع الحرج عن الجماعة الأم أمام أي تصرف غير مسؤول يقوم به أعضاء منتمون لها، وهو أول مدخل لتأكيد أن الإخوان تحولوا من المنطـق الأممي إلى المنطق الوطني الداخلي: يجب أن تقوم جماعة الإخوان المسلمين في مصر بإعلان أنها - وبعد وصولها للرئاسة - تدخل مرحلة جديدة تستلزم منها خطابا ورؤية جديدين، وتتطلب منها أن تؤكد على أنه لا علاقة لها بأية تجمعات إخوانية خارج مصر، وأنها "أي الجماعة" قائدة في مصر لا في العالم الإسلامي، وأن ما تقوم به أية مجموعة إخوانية في أي مكان في العالم العربي هو مسؤولية تلك المجموعة ويعد شأنا داخليا ولا علاقة للجماعة بأي من تلك الخلايا.

لو أنني كنت مسؤولا في أي بلد خليجي سيمثل هذا الخطاب بالنسبة لي بداية جيدة وسأنظر إليه على أنه بادرة حسن نية، خاصة إذا ما واصلت الجماعة تأكيدها على ذلك. الجماعات العابرة للحدود لا مجال لها في زمن الدولة الحديثة، وإن كانت الجماعة قد احتاجت لذلك لتنفي أن عملها موجه ضد نظام بعينه، فقد حان الوقت لتتخلى عن ذلك المنطق العام وتطرح منطقها الوطني، هذا طبعا إذا كانت الجماعة قادرة على ذلك.

لدى دول المنطقة ترقب وتوجس من الإخوان، وترقب وخوف على مصر وقوتها واستقرارها، لكن الأقدر على تخفيف ذلك الترقب هم الإخوان، والأقدر كذلك على توسيعه وتبريره.. أيضا هم الإخوان.