من كان يتوقع، قبل انتشار مفهوم العولمة، أن تتنافس شركة "تاتا" الهندية على تصنيع سيارات "جاكوار" و"رينج روفر" البريطانية في المدن الصناعية السعودية؟ وأن تقوم شركة "سابك" الوطنية بشراء مصانع البلاستيك من شركة "جنرال إليكتريك" الأميركية، لتنافس بمشتقاتها البترولية أسواق العالم البتروكيماوية؟ وأن يقوم "الصندوق القطري للاستثمار" بتملك متجر "هارودز" البريطاني العريق و13% من مصانع إنتاج سيارات "مرسيدس" الألمانية و100% من محطة "كارانت" التلفزيونية الأمريكية، لينافس صناديق العالم السيادية في تنويع مصادر دخل الحكومة القطرية؟ بل من كان يتوقع قبل انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية في 11 ديسمبر 2005، أن تفتح المملكة اليوم أسواقها للمنافسة العادلة في خدمات الاتصالات والبنوك والتأمين والنقل والصحة والتعليم والمقاولات وتجارة الجملة والتجزئة، لتفوز المملكة بالمرتبة الأولى بين الدول العربية والمركز الثامن بين دول العالم في جذب الاستثمارات الأجنبية؟
قبل أسبوعين أعلنت هيئة الطيران المدني عن فوز "الخطوط القطرية" و"طيران الخليج" برخصتي الناقل الجوي داخل المملكة. هذه الخطوة الجريئة ستفتح باب المنافسة العادلة بين "السعودية" و"القطرية" و"طيران الخليج"، إلى جانب شركة "ناس" الوطنية، لتتبارى جميعها على خدمة المسافرين واكتساب ود المستهلكين وزيادة عدد الرحلات ورفع مستوى الأداء.
المنافسة العادلة على الطيران في الأجواء السعودية لا تخل بالمادة 18 من نظام الاستثمار الأجنبي، الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/1 وتاريخ 5 /1 /1421هـ، كما لا يتعارض مع أحكام المادة 9 من معاهدة "شيكاغو" للطيران المدني الدولي، الموقعة في 7 ديسمبر 1944م، والتي صادقت عليها المملكة بالمرسوم الملكي رقم م/24 وتاريخ 30 /4 /1381هـ. إلا أن هذه الخطوة تحتاج إلى العديد من الخطوات المساندة لترسيخ مبدأ المنافسة العادلة وعدم احتكار الأجواء لصالح ناقل واحد يتمتع بمفرده بأسعار المحروقات المدعومة، إلى جانب استئثاره بنقل موظفي الدولة.
"الخطوط السعودية" التي تأسست في عام 1945، بدأت أولى رحلاتها الداخلية بين مدينتي جدة والظهران في 14 فبراير 1945، ودشنت أولى رحلاتها الدولية بين مدينتي جدة ودمشق في 10 يونيو 1945. اليوم تمتلك "السعودية" 150 طائرة، إضافة إلى 32 طائرة جديدة تحت الطلب. واليوم تقوم "السعودية" بتشغيل 400 رحلة يومياً، ترتفع إلى أكثر من 500 رحلة في مواسم الذروة عبر 27 مطاراً داخلياً و58 مطاراً دولياً، لترتفع إلى 105 مطارات خلال مواسم الذروة. في العام الماضي بدأت "السعودية" تخطو نحو "العالمية" بانضمامها لتحالف ''سكاي تيم'' لتوفير خدماتها لعملائها من خلال شبكة رحلات تشمل أكثر من 15 ألف رحلة يومياً، إلى جانب التشغيل لأكثر من 993 وجهة حول العالم، إضافة إلى تشييد نحو 520 صالة لدرجتي الأولى والأعمال في المطارات الدولية. كما بلغ المعدّل العام لانضباط رحلاتها التشغيلية المجدولة والإضافية ورحلات العُمرة إلى 92% في موسم صيف العام الماضي.
أما "الخطوط القطرية"، التي تمتلك اليوم 96 طائرة، إضافة إلى 167 طائرة جديدة تحت الطلب، فلقد تأسست في 20 يناير 1994 وبدأت رحلاتها في دول الشرق الأوسط. ونتيجة انفتاحها المبكر على المنافسة الخارجية، تمكنت "القطرية" في وقت قصير من النمو والتوسع في شبكة خطوطها العالمية لتخدم 101 محطة دولية. عندما تألقت "القطرية" في تقديم خدماتها، فازت بجائزة أفضل شركة طيران لعام 2011 من "مؤسسة سكاي تراكس"، بناءً على تصويت المسافرين لها في مختلف أنحاء العالم.
وفي المقابل تأسست شركة "طيران الخليج" في البحرين بتاريخ 24 مارس 1950، لتساهم شركة الخطوط الجوية البريطانية في 22% من رأسمالها، ولتبدأ أولى رحلاتها إلى لندن في عام 1971. وفي يناير 1974 ساهمت سلطنة عمان والإمارات وقطر في رأس مال "طيران الخليج" ليتم تقسيم الأسهم بالتساوي بين الحكومات الأربع. وفي يوم 28 أبريل 2006 انسحبت قطر والإمارات من الشركة، كما انسحبت سلطنة عمان من الشركة في 17 مايو 2007. اليوم يتكون أسطول "طيران الخليج" من 34 طائرة، إلى جانب 31 طائرة جديدة تحت الطلب، وتخدم 54 محطة دولية.
في تقريره الأخير توقع الاتحاد الدولي للنقل الجوي (اياتا) أن يصل عدد الركاب الذين تنقلهم شركات الطيران في العالم إلى 4 مليارات راكب في عام 2016، وهو ما يساوي نصف سكان العالم ويزيد عن عدد الركاب في العام الماضي بنسبة 28%. وتوقع التقرير نمو عدد الركاب العالمي خلال السنوات الخمس القادمة بنسبة تفوق 5% سنوياً ونمو حجم الشحن الجوي العالمي بنسبة 3% سنوياً، وأن الاقتصادات الناشئة في مناطق آسيا وأوروبا وأمريكا ستشهد أعلى نسبة نمو في عدد الركاب وحجم الشحن، لتأتي منطقة الشرق الأوسط في المرتبة الثالثة كأسرع منطقة نمو في العالم وبنسبة تزيد عن 6% في الركاب و5% في حجم الشحن الجوي. كما أكد التقرير أن الملاحة الجوية سوف توفر 57 مليون وظيفة حول العالم وتضيف أكثر من 2 تريليون دولار أمريكي في تعزيز كافة الأنشطة الاقتصادية.
مع مواصلة نمو خدمات النقل الجوي في العالم، وزيادة تنافسية شركات الطيران في الأجواء اليوم، أحسنت هيئة الطيران المدني بفتح أجواء المملكة للمنافسة، وأحسنت خطوطنا "السعودية" بمشاركة أضخم التجمعات الدولية "سكاي تيم" لتقديم مستوى أعلى من الخدمات والكفاءة، ولتتمكن "السعودية" من النمو وتعزيز مكانتها في سوق السفر الداخلي والعالمي الذي تحتدم فيه المنافسة.