• السلام عليكم، أنا في الثاني متوسط، عمري أربعة عشر عاماً، غداً ولسبعة أيام سأذهب للاختبار الفصلي، سأختبر كلّ يوم مادة أو مادتين، ثم أرجع للبيت. عندنا في البيت "لابتوب"، و"آيفون"، و"دشّ"، وعندي في الإنترنت أصدقاء في "الفيس" و"الآسك" من اليابان وكندا والرياض.. وغيرهم من بلدان أخرى. صديقي من ماليزيا رفع على موقع "الآنستغرام" مجموعة صور لمدرسته، رأيت الفصل والفناء والملاعب، وصوراً أخرى لمدرسته وأصدقائه ومعلميه. وقد وضعت كل الصور في صفحتي في "الفيس"، وكتبت تعليقاً واحداً مع علامة ابتسامة؛ "You are so lucky". وبالطبع تجاهلت سؤاله عن صور مدرستي. الحقيقة أني لاحقاً كذبت/صرّفته، وقلت له "بعدين".
• أنا في الثاني متوسط، وما أجده في المدرسة أقل بكثير مما أجده، صار عاديّاً في البيت.. ففي البيت أرى القنوات والإنترنت.. أرى الأحداث في كل محطة أو موقع، وأفكر؛ لماذا ينزعج والدي حين يدخل فجأة ويراني أتابع قنوات الأخبار أكثر مما يراني أتابع قنوات الفيديو كليب، فيسحب مني "الريموت" ويغيّر المحطة إلى القناة السعودية الأولى، وكلما سألته عن حدثٍ أو حادثة، يقول "بعدين لما تكبر".. فأسكت بنصف ضحكة، وأتمنى لو قلت له: "أووووه.. تراني فاهم".
• عمري أربعة عشر عاماً، لكني أحاول أن أتفهّم أنكم في زمنكم وظروفكم كان أقصى ما تعرفونه هو نشرة الأخبار وسليمان العيسى، وبرامج تعيسة من نوع "حروف وألوف"، و "سباق المشاهدين"، وأحاول إدراك أن أجرأ ما كنتم ترونه هو "طاش ما طاش" من عامٍ إلى عام في رمضان، بل وأحاول أن أتفهّم أنكم كنتم لا تعرفون شيئاً مما يدور في العالم غير أفغانستان والشيشان، وصدام والكويت، ومستودعاتكم ونوافذكم التي ملأتموها بالرعب!. أفيدكم.. أنني في زمني هذا صرت أسمع وأرى بلا حدّ، ومع ذلك أحاول أن أتفهّم مخاوفكم وكل ما نشأتم عليه. لكني أسألكم؛ هل أنتم قادرون على تفهّم زمني؟ هل تفهمون أني نشأت في ظرفٍ آخر؟ هل يمكنكم أن تتفهموا أن كل شيء بلا استثناء يصل إلي؟! أسألكم وأنا في الرابعة عشرة من عمري: هل تدركون أني أعرف اليوم بكبسة زر أضعاف أضعاف ما عرفتموه طيلة وقتكم؟! لاحظوا أني أشرح لكم ما يستعصي عليكم فهمهه في الأجهزة التي بأيديكم !
• حسناً.. السلام عليكم، أنا في الثاني متوسط، عمري أربعة عشر عاماً، وسنةً بعد سنة.. سأكبر، سأصير في العشرين والثلاثين. أرجوكم.. افهموني لأجلي، ولأجلكم!