يروى أنه أثناء التحضير لمعركة بدر الخالدة، "تقدم الحباب بن المنذر بن الجموح نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: بل هو الرأي والحرب والمكيدة.. فقال الحباب: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي..".
هذا منهج نبوي كريم.. الأخذ برأي أصحاب الخبرة والمعرفة والاستعانة برأيهم.. واستشارتهم.. وللشورى في ديننا الإسلامي منزلة عالية رفيعة.. يغيب عن الكثيرين أنها جاءت مقرونة بالصلاة: "والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم".
في العصر الحديث تطور علم الاستشارة والخبرة.. أصبحت هناك معاهد متخصصة، بل وأصبحت هناك بيوت خبرة دقيقة، تضم عددا من ذوي التخصصات والكفاءات، يقدمون الاستشارات والدراسات المتخصصة، بحيث يتم الاستفادة من خبراتهم على اختلافها واختلاف تخصصاتها.. وتختلف القيمة المادية باختلاف البيوت والمعاهد، واتساع خبراتها.
الذي أريد قوله إن الخبرات متجددة.. أو قل أصبحت دقيقة جداً، وتتسارع بشكل ملحوظ.. لكننا مع الأسف ما نزال متمسكين بذات الخبراء، الذين توقفت خبراتهم عند زمن معيّن.. وعمر معيّن.. أخشى ما أخشاه أن يصبح هؤلاء الخبراء والمستشارون حجر عثرة أمام صاحب القرار التنفيذي، على اعتبار الفجوة السحيقة بين الخبير القديم والخبرة المتجددة.. نحن كما نحتاج عقولا شابة لإدارة العمل، بحاجة في ذات الطريق لخبراء ومستشارين ينتسبون لهذا العصر.