لدى بعضنا طريقته في التعبير عن يأسه، بأن يعتدل الحال في المستقبل، فتجد الإنسان يختصر مشوار إصلاح حياته الأسرية المرتبكة على بعضها بأن يريح قلبه ونفسه وعقله ويعلن الطلاق علانية وليذهب كل في حال سبيله، ولا يتردد الموظف المنهك بشعور اللاتقدير والظلم الوظيفي بأن يقدم استقالته من عمله هاربا من مواجهة قد تكون أصعب من أن تتحملها روحه المتعبة والفاقدة لأي أمل بغد أفضل.
من يعرف فنون الإدارة يعلم تماما أن تسريح الموظفين من أعمالهم وإنهاء خدماتهم بداعي تخفيض التكاليف هو تصرف لا يحتاج إلى عبقرية إدارية، بل هو قرار ينم عن عجز المدير عن إيجاد الحلول الخلاقة القادرة على تخفيض المصاريف وزيادة هوامش الربح، مع المحافظة على الموظف باعتباره رأس المال الحقيقي لأي مؤسسة تجارية أو حكومية.
الشعور بفقدان الأمل وبالتالي اتخاذ مواقف القطيعة أصبح لدى الكثيرين السبيل الأسهل لإيجاد الأجوبة، والمخارج لبعض تلك الأسئلة الأكثر تعقيدا التي لا يمكن إيجاد حلول مناسبة ومنطقية بخصوصها إلا إذا وضع في عين الاعتبار الكثير من العوامل والعناصر المؤثرة والمتأثرة التي تدور في سياق زمني ومكاني متداخل تجتمع جميعها لتشكل واقعا معقدا لا يستطيع كثيرون التعاطي معه وفك رموزه في مسعاهم لإيجاد مخارج لواقعهم المعاش، وبالتالي فإن البحث عن الحل الذي يهدم كل شيء هو الأمثل والأسهل لهم.
سياسيا مثلا نجد في العراق أن القرار الاستراتيجي الخاطئ الذي انتهجته أميركا بعد الإطاحة بنظام صدام هو أن يتم هدم الدولة بالكامل والعمل على إعادة بنائها من جديد، في وقت كان من الحكمة لو أنهم فككوا فقط مفاصل سيطرة صدام وحزبه والاحتفاظ بمؤسسات الدولة والجيش لتبقى الدولة قائمة متماسكة قادرة على ضبط الأمن وحماية استقلاليتها من عبث الطائفيين والانتهازيين.
واليوم نجد تصارعا فكريا بين بعض أطياف المعارضة السورية، بين من يرى أولوية هدم الدولة بالكامل ليعاد بناؤها من جديد ومن يرى أن النظام هو الذي يجب أن يكون مستهدفا، ولكن مع بقاء الدولة ومؤسساتها قائمة، ولتخضع فيما بعد لعملية ترميم وتنظيف وإعادة هيكلة.
في السياسة كما في الحياة يبقى اللجوء للحلول الجذرية آخر سبيل لمن يؤمن بأن الحياة بإمكانها أن تتغير للأفضل، أما إن كنت من المتشائمين فلا شك في أن هدم ما هو أمامك قد يريحك ولكن دون شك لن يحميك من غد قد يكون أكثر سوادا.