كنت أشاهد مقاطع تم تجميعها في مقطع واحد لإدانة أحد "مرتزقة" الإعلام الفضائي العربي، وذلك من خلال وصفه بـ"النفاق" والتناقض بين مواقفه سابقا وحاليا تجاه النظام السوري، حيث كان سابقا شديد الانتقاد لهذا النظام وديكتاتوريته، ثم انقلب فجأة ليجعل من "بشار" قديسا ومجاهدا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. المثير في الأمر ـ لحد الضحك ـ أن من يقوم على نشر المقطع من مبدأ "كشف حقيقة هذا المنافق" هو أحد مستضيفيه الدائمين سابقا في قناة "الجزيرة" والذي كان يراه وقتها "مناضلا كبيرا ضد الرجعية"!

هذه الحالة المزرية التي وصل لها بعض الإعلاميين العرب ليست سوى انعكاس طبيعي لما تعيشه معظم وسائل الإعلام العربية، التقليدية منها أو الحديثة (الإعلام الحديث) وفي جميع الأقطار العربية، من حالة هزال معرفي وقيمي، لها بالطبع أسبابها التي يشترك في تشكيلها الإعلامي نفسه ومحيطه السياسي والاجتماعي والثقافي. أما الإعلامي نفسه فلكي لا نظلمه كثيرا ونحمله أكثر من طاقته يجب أن نعرف أن الطلقة الأولى لأي حرب أو نزاع سياسي أو أيديولوجي أو ثقافي لا تأتي من سلاح رشاش أو قنبلة موقوتة أو مدفع عسكري، بل إنها الإعلامي نفسه الذي يُطلق "مسيرا أو مخيرا" باتجاه العدو الحقيقي أو الوهمي في كثير من الحالات.

لكن الحالات الأكثر وجودا وقبحا، هي تلك الوجوه "المرتزقة" التي تنخر الإعلام والثقافة العربيين، ويمكن أن نقول إن أعدادها حاليا بـ"الآلاف"، وهي تمثل نهازي الفرص الذين يستغلون أي ظرف محيط لكي يركبوا الموجة ويظهروا بمظهر قادة الرأي و"أبطال" الأوطان، كحال المعني بمقطع الفيديو ـ سابق الذكر ـ الذي انكشفت حقيقته بشكل كبير.

أما الوجه الآخر المحزن في الإعلام العربي ـ ومنه المحلي طبعا ـ فهو تحول بعض وسائله إلى ما يشبه "الحراج" الشعبي، الذي يبيع كل المستلزمات المستعملة التي تبدأ من سيارة نقل ثقيلة حتى إبرة خياطة، ومن أفخم صناعة إلى أرداها. ولعل أبرز مظاهر البضاعة الرديئة جدا التي يحاول ترويجها هذا الإعلام "الحراج" على لسان بعض منسوبيه أو من خلال بعض محبي "الاستعراض" ممن يعتقدون أنفسهم "مشاهير" تسير وراءهم الركبان عميانا، هي بضاعة الاستعراض "كلاما أو أفعالا" وذلك من خلال استغلال قضايا اجتماعية أو ثقافية تُحمل مسؤوليتها لأشخاص ليسوا من ذوي "النفوذ" الحقيقي. ثم يبدؤون في فرد العضلات "الجماهيرية" من خلال دغدغة المشاعر متقمصين دور" البطل المنقذ" والخوض في قضايا استهلكت كثيرا وتحدث فيها المختصون حتى أصموا الآذان.

كذلك من البضائع الرديئة التي أساءت كثيرا لقيم ومهنية الإعلام النزيه، بضاعة "الكمائن الفكرية" الوهمية التي كانت وبالا على إحدى القنوات الفضائية قبل أسابيع. فبدلا من أن تصنع منها ومن القائمين عليها نجوما، أصبحت محل سخرية حتى من "المريدين" لها.