من خلال الأعمال الجليلة التي تقوم بها الجمعيات الخيرية وإسهاماتها في احتواء عدد من الأسر إلا أن هذا العمل لا يمكن أن يحقق النجاح بمفرده، ولا تستطيع أي مؤسسة أن تعمل بكفاءة عالية وبكامل إمكاناتها وملاءتها المالية إن تجاهلت المتطوعين، وستظل قناعتي الذاتية قائمة على أن ميزان العطاء قد يكون في الغالب الأعم لصالح الإنسان الذي يبذل قدراته، ليفتح لنفسه طاقة للتواصل والعطاء المجرد للآخرين، ومن أجلهم. العمل الاجتماعي الإنساني حق فطري جبل البعض عليه بصرف النظر عن أجناسهم ومللهم وألوانهم وثقافاتهم. فنجد إنساناً في بقعة من العالم يتقاسم القليل مع جيرانه حتى ولو به عوز وفقر، وقد نجدهم يتجاوزون حاجتهم ويقفزون على محيطهم الضيق إلى فضاءات من حولهم ويقحمون أنفسهم بين أصحاب الحاجة، ويسعون لتقديم العطاء إن كان عينياً أو مادياً أو جهداً إنسانيا، لقد خلقوا للبذل والعطاء أياً كان نوعه وقيمته. لا غنى لمؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية عن موظفين يديرون دفة العمل ويفعلون الأنظمة والقوانين، ويترجمون مفردات الأداء على أرض الواقع، ولكن لتتكامل الأدوار وتتفتق الابتكارات الإبداعية التي لا غنى للعمل العام عنها، فلا بد من نسج وشائج وحبال وثيقة مع المتطوعين، فالأشخاص الذين حباهم الله حب العمل العام والعطاء للآخرين يتجاوزون الأنا والذات، وهم أكثر مرونةً وطاقةً خلاقة وعقلاً منفتحاً وقلباً ينبض بالخير.

الموظف مهما كبر عطاؤه فإنه يبقى في الدائرة الأكثر ضيقا بحسب فلسفة الأخذ والعطاء وإلزامية اللوائح والقوانين وحساب الربح والخسارة.. إلخ، أما المتطوع فإنه الإنسان المرن، يلتزم بالأنظمة واللوائح ويتمدد بعطائه وأفكاره وإبداعاته لتشمل كافة المجالات، فالمتطوع هو المصباح الذي ينير الطريق ويفتح القنوات ويسلط الضوء حول بؤر الحاجة والظلمات الموجودة على جبين البشرية، التي لا تصلها أيدي وأعين المؤسسات الخيرية.

استقطاب المتطوعين لدائرة العطاء من مهام قيادات الجمعيات والمؤسسات، يجعل قوانينها أكثر مرونة، ومقوماتها المالية أكثر اتساعاً، وبذلك تتسع دائرة مستهدفيها ويصبح العمل التطوعي مفهوما عاما وثقافة ينهل منها أفراد المجتمع لخدمة الوطن.