استمتعت مؤخراً بقراءة مقال الكاتب الروائي المعروف علاء الأسواني بعنوان "عشاء مفاجئ مع شخصية مهمة" والذي نشر في صحيفة الشروق المصرية الشهر الماضي. المقال يعتمد تقنية السرد والحوار الافتراضي الذي أبدع فيه الأسواني بحكم كونه روائياً من الدرجة الأولى، حيث مزج بحرفية عالية بين الواقع والخيال.
يسرد الكاتب رؤيته الخاصة حول الأوضاع السياسية في بلاده ويطرح أفكاره حول مواضيع الإصلاح والتغيير والتوريث في مصر بأسلوب مشوق وممتع حتى نهاية المقال.... عندما توقظه زوجته من حلم دار فيه ذلك الحوار الإصلاحي الذي كان يعيشه مع شخصية مهمة جداً. ذكرني مقال علاء الأسواني بمقالات مشابهة عدة تعتمد أسلوب السرد الافتراضي في الكتابة الصحفية العربية، حيث يطرح الكاتب أفكاره عن طريق حديث أو مقابلة افتراضية ليصل إلى مبتغاه من تغيير في الواقع ولكن عن طريق الأحلام.
من أشهر هذه المقالات ما كتبه الأستاذ حسين شبكشي عام 2003 في صحيفة عكاظ، مقالة تخيل فيها تغييراً نحو قبول الآخر وثقافة التعددية والتسامح وقيادة المرأة للسيارة.
الدكتور سعيد السريحي، هو الآخر كتب مؤخراً مقالاً افتراضياً على شكل رسالة إلى "معالي صاحب الفضيلة رئيس مجلس القضاء الأعلى" طرح فيها موقفه من دراسة حول مشروع لوائح شؤون القضاة الوظيفية وذيلها بعبارة: "نص رسالة افتراضية بعث بها قاض إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى يوم أمس."
كما انتشر على فضاء الإنترنت مؤخراً مقال جميل لكاتبنا المبدع جميل محمد علي فارسي عنونه بـ "يا سيدي الدوق اعتق القطار." وكان هو الآخر عبارة عن حلم استفاق منه الكاتب بعد أن فرغ من سرد أحداث افتراضية لمسيرة إنشاء القطار بين باريس ونيس.
الأحلام في علم النفس هي عبارة عن رغبات مكبوتة أو طموحات يصبو إليها الإنسان، فالحلم عبارة عن نسيج من الأحداث أساسها دماغ الإنسان، تأتي أثناء النوم بخلاف أحلام اليقظة طبعاً، فتلك تأتي بشكل واع وانتباه حين يتطلع الإنسان إلى آمال وطموحات ويحلم بها وهو غير مغمض العينين. ويعتبر سيجموند فرويد أول من وضع الأسس العلمية لتفسير الأحلام في كتابه الشهير (تفسير الأحلام) عام 1899 حيث ذهب فيه إلى أن الأحلام تنتج عن الصراع النفسي بين الرغبات اللاشعورية المكبوتة والمقاومة النفسية التي تسعى لكبت هذه الرغبات اللاشعورية، وبالتالي فإن الحلم عبارة عن حل وسط أو محاولة للتوفيق بين هذه الرغبات المتصارعة. ويلعب الحلم عند فرويد وظيفة " حراسة النوم " وصد أي شيء يؤدي إلى إقلاق النائم وإيقاظه، فإذا أحس النائم بالعطش، مثلاً، فإنه يرى في منامه أنه يشرب الماء وبهذا يستمر نائماً ولا يضطر للاستيقاظ لشرب الماء. ولقد وضع فرويد مجموعة من الرموز يستعان بها لفهم الحلم وتفسيره.
أما الفريد أدلر فقد رأى أن للحلم وظيفة توقعية، أي أن النائم يتنبأ من خلال الحلم بما يمكن أن يواجهه في المستقبل. أما كارل يونج فكان يرى أن الحلم ليس فقط استباقاً لما قد يحدث في المستقبل ولكنه ناتج عن نشاطات اللاوعي، وهو يرى أن الأحلام تقدم حلولاً لمشكلات الشخص في محاولةٍ لإعادة التوازن إلى الشخصية.
هذا على صعيد الأحلام وتفسيراتها الفرويدية أو اليونغية، أما الأحلام الصحفية فتفسيراتها تتجاوز الماضي و المستقبل لتستقر حقاً في عمق الحاضر، الحاضر أبداً في وعي الكاتب وهواجسه.
أمام هذه التفسيرات المتعددة للأحلام ووظيفتها في حياة الإنسان أطرح عدة تساؤلات حول تقنية الأحلام في الكتابة الصحفية:
لماذا يلجأ الكتاب الصحفيون لتقنية الأحلام أو الافتراضية في عرض أفكارهم ورؤاهم؟ هل لأن تغيير الواقع بات ضرباً من الخيال فلم يعد له متسع إلا الأحلام؟ أم هل لأننا نستطيع عن طريق الأحلام أن نوازن ما بين الرغبات المكبوتة والمقاومة النفسية التي نسعى لكبتها كما يقول فرويد؟ هل الكبت هو خوف من الإفصاح أم خوف من عواقب الإفصاح التي تعرّض امتيازاتنا ومناصبنا للخطر حينما نتحدى سلطة الواقع، حيث أنشأنا مدرسة صحفية تتعامل مع واقع لا يسمح بالنقد إلا في أضيق الحدود؟ هل المشاكسة الصحفية أصبحت لا تمتلك سوى الأحلام للخروج من دائرة الاتهام والمقاضاة والمنع من الكتابة؟ أم إن الأحلام في تلك المقالات الصحفية لا تعدو كونها وسيلة لطرح الفكرة بشكل يلطف من وقعها في واقع يكرس العقاب على الفكر.
هل يصبح أملنا في التنوير والتطوير حلماً لا نراه إلا أثناء النوم فقط بينما يقبع الواقع كابوساً مخيفاً يحياه الكاتب حقيقة أو خيالاً، حتى يوشك على الاختناق؟.. لنحلم كما نريد لكن على أمل ألا يكون التنوير والتطوير مجرد مغامرة مرعبة نلجأ إزاءها إلى الحلم ثم نفوق منه على واقع أليم.