فيما كان معظم الأميركيين يستعدون لعطلة عيد الميلاد وتنصيب كونجرس جديد ورئيس جديد، نشرت منظمة أبحاث خاصة في واشنطن وثائق إدانة رسمية جديدة تم رفع السرية عنها مؤخرا في أسوأ قضية تجسس إسرائيلية على الولايات المتحدة.

قليل من الناس انتبهوا في 14 ديسمبر إلى الأدلة التي كانت سرية سابقا وعددها 166 صفحة ضد جوناثان بولارد، الجاسوس الإسرائيلي الذي يقضي حكما بالسجن مدى الحياة. وحتى الآن، لم تنشر أي صحيفة واسعة الانتشار ولم يذع أي برنامج تلفزيوني معروف أي كلمة عن التفاصيل الجديدة حول قضية الجاسوس بولارد، لكن العديد من أنصار بولارد والمشرفين عليه لا يزالون في مواقع سلطة ونفوذ في إسرائيل. لماذا إذا تعطي الولايات المتحدة إسرائيل أحدث المبتكرات والمعدات العسكرية، وحتى المعلومات الاستخباراتية، حتى الآن؟

مع أن تجسس بولارد لمصلحة إسرائيل حدث منذ حوالي 30 سنة تقريبا، إلا أن قضية بولارد مهمة لدرجة أنه لا يزال في سجن فيدرالي أميركي، مع أمل ضئيل بإطلاق سراحه. خلال الفترة القصيرة التي فصلت بين بداية قيام بولارد بسرقة الأسرار الأميركية وتمريرها إلى مسؤولين إسرائيليين، وبين اعتقاله على البوابة الأمامية للسفارة الإسرائيلية في واشنطن في نوفمبر 1985، قدم بولارد لإسرائيل عشرات الآلاف من الوثائق الأميركية المصنفة على أنها "سرية للغاية". فيما كان يتجسس لمصلحة إسرائيل، قدم بولارد وثائق حول القدرات العسكرية السوفيتية.. تفاصيل عن جميع القوات العسكرية العربية، تفاصيل مفصلة حول رقابة الاستخبارات الأميركية على مسؤولين كبار في منظمة التحرير الفلسطينية، وصورا بالغة السرية من الأقمار الصناعية، بما في ذلك صور لمفاعل أوزيراك النووي العراقي، بعد الغارة الإسرائيلية على المنشأة.

مسؤولو الاستخبارات الأميركية استنتجوا بعد أكثر من عام من التحقيقات مع بولارد أن الكثير من المواد التي نقلها إلى وحدة التجسس العلمي الإسرائيلية تمت مشاركتها مع "طرف ثالث"، من بين ذلك، الاتحاد السوفيتي. إسرائيل كانت تسرق أسرارا عسكرية أميركية حول الاتحاد السوفيتي وتقايضها مع موسكو مقابل إطلاق سراح يهود سوفيت والسماح لهم بالهجرة إلى إسرائيل. خلال الفترة الثانية من تجسس بولارد، تم السماح لأكثر من مليون يهودي بمغادرة الاتحاد السوفيتي والانتقال إلى إسرائيل. بعض هؤلاء المهاجرين السوفيت تم إرسالهم للسكن في المستوطنات اليهودية على الأراضي الفلسطينية.

مستوى الخيانة للأسرار الأميركية من قبل بولارد والمشرفين الإسرائيليين عليه كان اكتشافا مدهشا لكثير من المسؤولين الأمنيين الأميركيين. ما يجعل الأمور أسوأ هو حقيقة أنه، حتى هذا اليوم، لم تقم إسرائيل بإعادة الوثائق الأصلية التي سرقها بولارد.

إسرائيل لا تزال تصر على رفض الاعتراف بالخيانة بشكل كامل، لكن جميع رؤساء الوزراء الإسرائيليين منذ توقيف بولارد تقدموا بطلبات للرئيس الأميركي من أجل إطلاق سراح بولارد والسماح له بالانتقال إلى إسرائيل. في كل مرة تثار فيها القضية، يرفع عدد من كبار المسؤولين الاستخباراتيين الأميركيين الحاليين والسابقين أصواتهم احتجاجا على ذلك. حتى الآن، لم يجرؤ أي رئيس أميركي على مخالفة المجتمع الاستخباراتي في قضية بولارد.

كان بولارد وقحا في الدفاع عن تجسسه لصالح إسرائيل. قال لي مسؤول استخباراتي أميركي بارز متقاعد إن عملية التجسس العلمي الإسرائيلي كانت ردا على إيقاف البنتاجون السماح لإسرائيل بالوصول إلى صور أقمار صناعية بعد قصف المفاعل النووي العراقي. صور التجسس الأميركية كانت تعطى لإسرائيل بشكل روتيني، ولكن بعد قيام إسرائيل بقصف المفاعل النووي العراقي، وُضِعت قيود مشددة على قدرة إسرائيل على الحصول على مثل هذه الصور.

الوثائق الأميركية التي أفرج عنها مؤخرا حول قضية بولارد تشبه رواية جاسوسية، وتظهر ثغرات خطيرة في قدرة الاستخبارات الأميركية على مراقبة موظفيها.

في 2004، بعد حوالي 20 عاما من القبض على بولارد، تكشفت فضيحة جاسوسية أخرى تورطت فيها منظمة إيباك، قلب اليمين الصهيوني. كانت قناة CBS أول قناة إعلامية تذيع خبر اكتشاف مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI لمحلل سياسي مشتبه بأنه نقل وثائق سرية وقام بأعمال تجسسية أخرى، وكان يعمل في وزارة الدفاع الأميركية. فيما بعد تم تعريف المحلل على أنه لورنس فرانكلين، الذي كان قد خدم كملحق في السفارة الأميركية في إسرائيل. فرانكلين اعترف بامتلاك وتسريب وثائق سرية بشكل غير قانوني، لكن المسؤول الإسرائيلي الذي كان يستلم المعلومات من فرانكلين غادر الولايات المتحدة.

كل هذا يظهر أن قضية تجسس جوناثان بولارد، رغم أنها كانت الأكثر نجاحا ضد الولايات المتحدة، إلا أنها لم تكن الوحيدة، وبولارد بالتأكيد لم يكن آخر الجواسيس الإسرائيليين في الولايات المتحدة. الوثائق السرية التي أفرج عنها مؤخرا متوفرة عن طريق أرشيف الأمن القومي، وهو مجموعة بحثية تعنى بالمصالح العامة. إذا كان هناك من يرغب في فهم عالم الجاسوسية والأعمال القذرة التي تشوب "العلاقة الخاصة" بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن هذه الوثائق تستحق القراءة بالتأكيد.