عندما نمعن النظر في السياسة التي بموجبها تم تبني تعرض خريجي الثانوية العامة لاختبار القدرات والاختبار التحصيلي نجد الكثير من المبررات والأسباب والمنطق والأهمية لتبني تلك الاختبارات. لكننا يجب أن نتوقف قليلاً عند الممارسة لننظر بشكل علمي ودقيق عن طريق أساليب تقويمية نتأكد من خلالها أن أهداف تلك الاختبارات تتحقق وأن العدالة بين الطلاب تحققت عن طريق فرز علمي تحققه تلك الاختبارات في من يدخل كلية بعينها من عدمه، ثم يصنف باقي الطلاب ليوجهوا إلى كليات مجتمع أو معاهد أو مراكز تدريب.
الواقع الممارس هو أنه نتيجة لهذا الاختبار إما أن تدخل كلية بعينها أو أن لا تدخل ليصبح اختبار التحصيل واختبار القدرات شراً ووبالا على الطالب وأسرته في البحث عن الوسيط والمعين والمساعد لحل مشكلة الأبناء الدراسية في العام القادم.
أنا لا أعرف العوامل المؤثرة على تحديد نتيجة الطالب التي يجب التحكم فيها واستبعادها التي لا تحقق العدالة بين الطلاب في النتائج لأن هناك عوامل يجب أن يعرفها القائمون على هذه الاختبارات.
تعلمنا من البحث العلمي أنه لا بد من التحكم في كل تلك العوامل التي قد تكون في صالح فئة ضد فئة. من تلك العوامل نوع المدرسة التي يدرس بها الطالب وعدد طلاب الفصل في المدرسة والمكتسب الاقتصادي للطالب ومكان وزمان الاختبار ومدى تعرض الطلاب لاختبارات تجريبية لكلا الاختبارين (القدرات والتحصيلي). وغيرها العديد من العوامل المؤثرة في نتيجة الاختبارات خارج نطاق مستوى الطالب الحقيقي والتي أجزم تماماً أن القائمين على تلك الاختبارات من الزملاء الذين أعرفهم جيدا على قدر من التأهيل والقدرة والتمكن من معرفة هذه الأمور والتعامل معها والذين آمل منهم الالتفات لهذه القضية وإيجاد الحلول لها دفعاً للظلم الذي يتعرض له بعض الطلاب من ذوي القدرات العالية الذين تقف أمامهم هذه القضية حائلاً دون دخولهم الكلية التي تتناسب مع قدراتهم.
هذه هي القضية الأولى الخاصة التي تواجه المتمكنين من الطلاب. والقضية الأخرى التي يجب أن يستفاد من اختبار القدرات والاختبار التحصيلي بعد التحكم في كل العوامل المؤثرة في نتيجة هذه الاختبارات لعلاجها هي أن تستثمر نتائج الاختبارات في تصنيف الطلاب حسب قدراتهم. فيوجهون إلى ما يناسبهم من المجالات الإدارية والمهنية بحيث تتم مساعدة الطلاب وأولياء أمورهم بل وإقناعهم بناء على بيانات ونتائج علمية بأن هذا المجال يناسب هذا الطالب وأن غيره من المجالات سيتسبب في إخفاقات متلاحقة للطالب تؤول به إلى رقم إضافي في إحصائية البطالة.
إن عدم وجود هذا النوع من التحليل العلمي لنتائج الطلاب جعلنا كمجتمع ندفع بكل أبنائنا في تخصصات لا تناسب مستوياتهم ببساطة لأننا كأولياء أمور لا نعرف ما يناسب أبناءنا. ولعل المركز الوطني للقياس والتقويم بالتعاون مع مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله ووزارة التربية والتعليم يعملون أيضاً على توسيع دائرة خدماته ليستثمر الدراسات والبحوث الخاصة بالموهبة والملكات لنتعرف بشكل دقيق على مواهب وملكات طلابنا.
قد يظن البعض أننا نتحدث عن موضوعين مختلفين إلا أننا نؤكد على أن تلك الجهات الثلاث تشترك في التعرف على مختلف مستويات الطلاب وتدفع بكل فئة إلى ما يناسبها من المجالات.
الدراسات وأشهرها نظرية تعدد الذكاء لأستاذ علم النفس في جامعة هارفرد "هاوارد جاردنر" في أمريكا ومشروع الدكتور "روبن اتفيلد" في التعليم في بريطانيا وغيرها تشير إلى أن هناك أكثر من 8 أنواع من الذكاء.
والسؤال الكبير الذي لا نعرف الإجابة عنه هو كيف نعرف الوسائل التي تمكننا من اكتشاف هذه الأنواع من الذكاء لدى طلابنا؟ والسؤال الكبير الآخر الذي لا نعرف الإجابة عليه هو هل نستطيع أن نجزم بأنه ليس هناك من حرمته اختبارات (القدرات) و (التحصيلي) من حتى دخول أي كلية من أن هذا الطالب لا يتمتع بإحدى هذه الأنواع من الذكاء؟ خصوصاً إذا علمنا بأن بعض تلك الأنواع من الذكاء أكاديمي، وبعضها الآخر ليس أكاديمياً.
السؤال الثالث الكبير هو متى نتبنى أدوات ووسائل واختبارات نرفع بها الظلم عن أصحاب هذه الأنواع من الذكاء لنكتشفهم ونوجههم إلى ما يتناسب مع نوع الذكاء الذي يتمتعون به؟ ليستفيد الوطن ونعطي الطلاب حقوقهم. والسؤال الرابع هو ما هي حقيقة أمر قضية حصول طالب على نسبة تزيد على 90% في نتيجة الثانوية العامة وإخفاقه في اختبار القدرات والاختبار التحصيلي؟. بعضنا يحمل المدرسة فتنة هذه القضية لأنها قد تكيل للطلاب الدرجات بدون حساب. وقد يكون هذا صحيحاً في ممارسات بعض المدارس، إلا أن غير الصحيح هو أن نسحب هذه التهمة على كل مدرسة تخرج منها طالب بنتيجة تزيد على 90% ودرجة قدرات وتحصيلي لا تؤهله لدخول الكلية التي يريدها أو أي كلية أصلاً.
الذي نود قوله هو أن هناك معاناة لكثير من الطلاب وكثير من الأسر نتيجة عدم حصول الطلاب على درجات تؤهلهم لدخول الكليات التي يريدونها. وهناك أسباب مختلفة أدت إلى هذه المعاناة المتكررة. والذي نرجوه من الجهات الثلاث المركز الوطني للقياس والتقويم ووزارة التربية والتعليم ومؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله أن تتوحد جهودهم لدراسة هذه القضية ورفع المعاناة عن طلابنا وأولياء أمورهم في ضوء ما ذكرت وأن نكون في مستوى الدول التي تبنت نتائج الدراسات والأبحاث الخاصة بهذه القضية ونستفيد مما وصلوا إليه.