تحالف "العراقية" ائتلاف عراقي علماني يُهيمن عليه السُنة من أحزاب اجتمعت قبل حوالي ثلاث سنوات في محاولة لاستبدال رئيس الوزراء نوري المالكي في انتخابات مارس 2010. فشل التحالف في تحقيق ذلك، وتُبرز محاولاته الفاشلة الآن لتنحية المالكي من خلال التصويت بعدم الثقة في البرلمان، وتراجع نفوذ تحالف العراقية كقوة يمكن أن تحد من سلطة رئيس الوزراء. كما أنها تُظهر أن ما تبقى من الطبقة الوسطى في البلاد يفتقر إلى قائد يتمتع بالنفوذ لحماية مصالحها وتوفير أرضية وسطية في وجه التوترات الطائفية الجارية والتي يمكن للحرب الأهلية في سورية أن تُسهم في تصعيدها. وأخيراً، فإنها تبرز تهميش العرب السُنة والتركمان السُنة من قِبل الحكومة التي يقودها الشيعة، مما يزيد في احتمالات وقوع أعمال عنف.
ويقول تقرير نشرته "مجموعة الأزمات الدولية" مؤخراً إٍنه لم يكن من المحتم أن تسير الأمور على هذا النحو. فقبل عامين فقط، عندما ظهرت نتائج الانتخابات، كان تحالف العراقية واعداً كبديل علماني في بيئة تحددها السياسات العرقية–الطائفية. كما كان التحالف السياسي الوحيد الذي اجتذب الناخبين الشيعة والسُنة على حد سواء. لقد أطلق حملته الانتخابية على أساس غير طائفي بشكل واضح كممثل لليبراليين والمعتدلين. وفاز التحالف بأكبر عدد من المقاعد، 91 مقابل 89 مقعداً حصل عليها خصمه الرئيسي، قائمة دولة القانون التي يترأسها المالكي. وقد كان تحالف العراقية الوحيد بين التحالفات السياسية الرئيسية الذي حصل على دعم في سائر أنحاء البلاد، حيث حصل على 12 مقعداً في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، في وقت لم يحصل المالكي على مقعد واحد في المحافظات ذات الأغلبية السُنية.
إلا أن تحالف العراقية بالغ في تقدير قوته. ففي المفاوضات حول تشكيل الحكومة، أصر زعيمه إياد علاوي على أن يشغل منصب رئيس الوزراء بحُكم ترؤسه للقائمة الفائزة. رداً على ذلك، باتت الأحزاب الشيعية التي اختلفت مع المالكي متخوفة من أن البعثيين السابقين سيعودون إلى السُلطة وعادوا مرة أخرى للالتفاف حوله. وبالانضمام إلى المالكي، تمكنوا من تشكيل أكبر كتلة برلمانية. وفي تدهور مثير لحظوظ "العراقية"، فإنه خسر نفوذه. اندفع بعض قادة التحالف للقبول بالمناصب العليا في حكومة المالكي الجديدة حتى قبل أن يتم تنفيذ عناصر أساسية من اتفاق تقاسم السلطة بين المالكي، وعلاوي ومسعود برزاني رئيس إقليم كردستان، والمعروف باتفاق إربيل.
كان الهدف من اتفاق إربيل الحد من سُلطات رئيس الوزراء. لم يحدث ذلك. منذ وصوله إلى السُلطة في ديسمبر 2010، دأب المالكي بشكل مستمر على تعزيز قوته، ولم يقدِّم أية تنازلات للأحزاب الحاكمة معه. لقد احتفظ بالسيطرة على وزارتي الداخلية والدفاع إضافة إلى سيطرته على ألوية عسكرية نخبوية. وحيث إن تحالف العراقية أقام حملته الانتخابية على أساس الوعد بوضع حدٍ لمثل تلك الممارسات، فإنه أثبت عدم قدرته على فعل شيء في أعين أنصاره. اقتربت الأمور من نقطة الانهيار في ديسمبر 2011، مع انسحاب آخر القوات الأميركية من البلاد، عندما أصدرت حكومة المالكي أمراً باعتقال نائب الرئيس طارق الهاشمي، في حين تم الإعلان عن نائب رئيس الوزراء صالح المطلك، وكلاهما من تحالف العراقية، شخصاً غير مرغوب فيه، لأنه وصف المالكي بـ "الديكتاتور".
في أبريل 2012، تصاعدت حدة التوتر بين المالكي وشركائه في الحُكم إلى درجة أكبر. اجتمعت بعض القوى المتمثلة في قادة العراقية والبرزاني وغيره من الزعماء الأكراد إضافة إلى بعض خصوم المالكي الشيعة مثل التيار الصدري القوي، واتهموا رئيس الوزراء بانتهاك اتفاق إربيل ومراكمة السلطة بوسائل غير ديموقراطية وغير دستورية. لم تنجح جهودهم منذ ذلك الحين بإجراء تصويت بسحب الثقة من المالكي بسبب الانقسامات الداخلية.
يتمثل أحد العناصر الجوهرية في فهم المعركة السياسية في بغداد في تقدير إلى أي حدٍ كان تجنبها ممكناً. لقد أسهمت سلسلة من الخطوات الخاطئة في تراجع تحالف العراقية بوصفه تحالفاً غير طائفي يجمع شرائح واسعة وغير ممثلة من السكان. إذا كان التحالف يأمل بتجاوز المرحلة الراهنة وأن يمثل فعلاً مصالح أنصاره، فإنه ينبغي أن ينخرط في مراجعة داخلية جادة، يُقيم فيها بصراحة ووضوح الاستراتيجيات التي اتبعها، وأن يخلص إلى الدروس المناسبة ويمهد الطريق نحو عملية ديموقراطية في صنع القرار.
وكجزء من استراتيجية جديدة، بوسع التحالف أن يقوم بما يلي:
• تطوير عملية صنع قرار داخلية أكثر رسمية تسمح لوجهات النظر المعارضة بالتعبير عن نفسها بصراحة وبشكل مباشر أمام القيادة العليا.
• الانخراط في مناظرة جادة ومفصلة مع جمهور ناخبيه حول توقعاتهم من الحكومة ودور العراقية فيها، وما إذا كانوا يعتقدون أن التحالف قد أسهم بتحقيق تلك التوقعات. ويمكن القيام بذلك بالطلب إلى أعضائها في البرلمان العودة بشكل منتظم إلى ناخبيهم للانخراط معهم في تجمعات منظمة، أو من خلال تشجيع ممثليه المحليين بالمحافظة على روابط وثيقة مع الجامعات والجمعيات المهنية من أجل السماح لجمهور الناخبين بتقديم التغذية الراجعة حول أداء العراقية.
• تطوير ونشر وثيقة استراتيجية تُراجع بدرجة كبيرة من التفصيل والموضوعية التطورات التي طرأت منذ مارس 2010، بما في ذلك على أدائه، وأداء وزرائه وكبار قادته، مع تقديم توصيات حول تحسين ذلك الأداء.
• مراجعة علاقته مع التحالفات السياسية الأخرى، بما في ذلك دولة القانون، والتحالف الوطني والتحالف الكردي، بهدف تسوية الخلافات والمساهمة في تحسين أداء الدولة.
• التفاوض بشأن تسوية سياسية توضع في سائر أنحاء البلاد مع نظرائه، يعرض فيها التخلي عن محاولات بعض أعضائه تأسيس مناطق فيدرالية مقابل سياسة أكثر عدالة في مجال الأمن وحقوق الإنسان ووجود درجة كبيرة من اللامركزية.