مازلت آمل في جامعاتنا السعودية الجديدة أن تعمل مبكراً على (مصافحة) مجتمعاتها المحلية في المناطق، من خلال إطلالة تشبه إشراق شمس الصباح، لتكتسب ثقة المجتمع وتكون فعلاً في خدمته، وخاصة أن الجامعات المنشأة حديثاً خلقت أحلاماً وردية في أذهان أبناء كل منطقة من المناطق التي أنشئت بها، فالجامعة لا تعني فقط مبنى كبيراً يضم مجموعة من الطلبة يدخلون ويخرجون صباحَ مساء!

فكرة الجامعة هي أعمق بكثير من ذلك، فإذا ما تجاوزنا مسألة التعليم الذي هو من بديهيات إنشاء الجامعات، فإن الهدف من الجامعة أيضاً أن تتحول إلى نواة للتطور الاجتماعي، بحيث تفتح باباً لمختلف الأنشطة الاجتماعية؛ ولكنها لا تكون ذات فائدة وأثرٍ وإثراء إلا حين ترتبط (عضوياً) بالمجتمع، وخاصة حين تمتد فائدتها وتأثيرها الإيجابي إلى المجتمع مباشرة، فتكون الفئات المستهدفة في برامجها وأنشطتها، غير فئة الطلبة المرتبطين بها فعلياً من خلال الدراسة الجامعية.

ومن المفارقات السيئة في بعض جامعاتنا، أنّ الطالب الجامعي يرتبط مادياً بجامعته لكنه لا يرتبط بها معنوياً، بل لا يشعر بانتماء حقيقي لها؛ لأنها بالنسبة له لا تعني أكثر من مبنى ومجموعة من المحاضرات المملة، ولذلك تنفصم عرى العلاقة بينه وبين جامعته حين يتخرج منها، والتخرج هو ما يتمناه بأسرع وقت ممكن، وخاصة أن سوق العمل غالباً ما يكون خارج أسوار الجامعة!

صحيح أنه يوجد جامعات جديدة تحاول تكريس قدراتها وخبراتها في تطوير ذاتها، وأقرب مثال لذلك (جامعة جازان) التي أنشئت قبل أربع سنوات تقريباً، لكنها سارت بخطىً ثابتة ومتسارعة، حتى أصبحت تصنف بأنها أفضل الجامعات السعودية الجديدة، وهي بذلك كأنما وُلدت واقفة بفضل قفزاتها المتسارعة نحو التطور الذي تجاوز محيطها المناطقي.

وفي المقابل هناك بعض الجامعات ما زالت تسير بخطى متثاقلة، إن لم تكن مرتبكة، من خلال بعدها الفعلي عن "خدمة المجتمع"، فتصبح أشبه بمدرسة صغيرة، لا جامعة، تنتهي علاقة المنتمين لها بها بعد انتهاء وقت العمل. ومن الأمثلة على ذلك (جامعة حائل) التي أنشئت بعد شوق طويل لها، لكنها حتى الآن لم تلبِّ طموحاتهم الاجتماعية، رغم المليارات التي أنفقتها الدولة، لدرجة أن بعض الكليات الموجودة سابقاً -قبل إنشاء الجامعة- كانت تقوم بدور جيد في خدمة المجتمع. وأتذكر أن كلية المجتمع في حائل في زمن تبعيتها لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، كانت أشبه بخلية نحل رغم صغرها وقلة إمكاناتها، تستهدف مختلف شرائح المجتمع ببرامجها المختلفة. والحال كذلك حين كانت كلية المعلمين المنارة التربوية التعليمية الوحيدة، حيث كان تضم مركزاً لخدمة المجتمع والتعليم المستمر تبرع به الشيخ علي الجميعة.

اليوم صار عمر جامعة حائل خمس سنوات تقريباً، لكنها للأسف ما زالت بعيدة عن محيطها الاجتماعي في المنطقة، ما زال المجتمع الحائلي ينتظر أن تستهدف الجامعة في برامجها الاجتماعية مختلف شرائح المجتمع: كبار السن والشباب والأطفال، وأن تسهم بطريقة ما بنشر الوعي في المجتمع والإسهام بالارتقاء به ثقافياً. فعلى سبيل المثال: لم نر ولم نسمع ببرامج أو دورات قصيرة أو ندوات أو محاضرات للتوعية بقضايانا الاجتماعية التي تؤرقنا فعلاً، كالعنف الاجتماعي، المواطنة وأهميتها، الإرهاب والأمن الفكري، الحوار ومقوماته... وأيضاً لم تقم أي برامج تعود بالنفع الاجتماعي على المواطن، وأضعف الإيمان أن يتم عقد برامج ودورات في اللغات الأجنبية والمعلوماتية ـ مثلما كان يحصل قبل إنشاء الجامعة ـ فمثل هذه البرامج أصبحت متطلباً وحاجة اجتماعية أساسية.

وبطبيعة الحال لا ننسى مشاركة الجامعة ضمن رالي حائل الدولي، ولكن مثل هذه المشاركة تكون عديمة الفائدة بالنسبة للمجتمع حين تُهمّش البرامج والأنشطة الاجتماعية الأهم، وخاصة أن الرالي قد قام على قدميه وأصبح حدثاً مهماً ـ قبل تفاعل الجامعة معه ـ بفضل رؤية وجهود الأمير سعود بن عبدالمحسن أمير منطقة حائل، الذي جعله مناسبة دولية وسعودية ومحلية في وقت واحد. ومن هنا أصبحت مسؤولية جامعة حائل تجاه المجتمع المحلي مضاعفة ومطلوبة، ولا سيما بعد إنشاء كرسي معالي الدكتور ناصر الرشيد وكرسي جريدة الجزيرة، فهذه البرامج تستهدف المجتمع، وبالتالي يجب أن تظهر نتائجها وفقاً للأهداف التي وضعت من أجلها بشكل واضح وسريع؛ مما يعني أن محاولة تبرير بطء الخطى بكون الجامعة (ناشئة)، لا تعفيها من مسؤوليتها الاجتماعية.