أغلب الأمهات اللواتي لديهن طفل في الابتدائية، يحدث كثيرا أن يتصلن على المدرسة في حال غياب الأب للاستفسار عن أبنائهن بخصوص أمر ما، ويحدث كثيرا كذلك أن يسمعن عبارة "معلم المادة ملتزم، ما يكلم حريم" فتغلق الأم الهاتف وهي تضرب أخماسا بأسداس وتبدأ رحلة البحث عن رجل يقوم بمهمة الاتصال بالمدرسة حتى لو كان لا يعرف هذا الطالب ولا يمت له بقرابة.


هذا الملتزم "جزاه الله خيرا" لم يسأل نفسه على ما يبدو كيف ستتصرف الأم في حال كان الوالد متوفى أو مسافرا أو منشغلا. ولا يعنيه ما إذا كان الأمر طارئا أم لا.


ولا أعلم حقيقة ما هي حيثيات هذا الملتزم التي اتكأ عليها عندما وضع هذه قاعدة "ما يحاكي حريم".





فإن كان يعتقد أنه مقتد بالرسول الكريم هادي هذه الأمة ومعلمها صلى الله عليه وسلم فهو مخطئ لأن الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام يحادث النساء ويستمع إليهن وكذلك أصحابه رضوان الله عليهم وليس هذا "المعلم الملتزم" كما وصفه مديره بأفضل من الرسول عليه الصلاة والسلام.


وإن كان يخشى على نفسه من الفتنة والوقوع في الخطيئة في مكالمة هاتفية لوالدة أحد الطلاب فمثله ممن يقر ويعترف بأنه لقمة سائغة للشيطان خطر على مجتمعنا بأكمله لأنه سيواجه أكثر من مجرد مكالمة هاتفية من والدة طالب. فأنصحه بأن يلزم بيته بارك الله فيه، لأن النساء أصبحن في كل مكان فموظفات الاستقبال في المستشفيات أغلبهن نساء والممرضات نساء، وفي المراكز التجارية والمجمعات سيواجه الكثير من النساء فيجب عليه أن يختار لنفسه قبل أن يحاصر من كل مكان. وكأني بهذا الرجل لو استنجدت به امرأة ضعيفة تمر بخطر محدق سيعرض عنها ويتركها تواجه الموت خوفا من الافتتان.


وأما إن كان يعتقد أن المرأة نجس ورجس فهذا يعني أنه منغمس في النجاسة حتى أذنيه فقد حملت به وأنجبته وربته امرأة هي أمه ويعاشر امرأة هي زوجته ويخالط نساء هن بناته وأخواته. ولا مفر له من كل هذا شاء أم أبى.


فليت من يتنطعون ويدعون أن الالتزام هو البعد عن النساء وعدم محادثتهن لأنهن نجس وفتنة، ينظرون إلى أنفسهم أولا. فيقوون إيمانهم على وجه الحقيقة، لأن الشيطان ينفذ إلى النفوس الضعيفة التي لم تتشرب الإيمان حقا. ثم يطهرون عقولهم ويزيلون ما تكون عليها من صدأ فهم لا يرون في المرأة إلا جسدا وغريزة. ولو كنت رجلا ملتزما لأخجلني بأن أقر أنني ضعيف ومتهشم من الداخل يجرني إلى الخطيئة "صوت" امرأة.