قال الله تعالى في سورة النساء: (وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها).

ما زلت أتذكر زميلي البريطاني، الذي حفظ عبارة "من العايدين"، كي يفاجئني بها باتصاله الهاتفي في صبيحة عيد الفطر السعيد قبل أعوام، وقد نطقها بلكنته الأرستقراطية، وبمخارج حروف حاولَت جاهدة أن تخرج دون تشوهات خلقية، إلا أن طريقة نطقه حينها لم تكن بالنسبة لي ذات أهمية بقدر تقديري واحترامي لذلك الغربي الذي حاول أن يتجاوز اختلافاتنا الثقافية والدينية، ويعلن ولو للحظة فرحته المجاملة لي.

كنت أتساءل في السابق إذا ما كان فعلا يعد احتفال رأس السنة احتفالا ذا طابع ديني خالص أم هو أقرب للاحتفال بافتتاح بطولة كأس العالم أو الألمبياد أو أي من احتفالاتنا الوطنية المختلفة التي تنتهج الفرح وتبادل المشاعر الإيجابية بين الناس، ووسيلة جماعية للالتفاف حول معاني في غالبها إيجابي ترتكز أركانها حول المستقبل والتفاؤل والطموح.

هناك مَن ما زال ينظر للاحتفال برأس السنة الميلادية باعتباره خروجا على النهج الإسلامي القويم، وتزلفا للكفار وحجة للهو، بينما شاهد العالم عبر الفضائيات كيف يمكن أن تتلبس المدن النور في منصف الليل، وكيف يمكن للبشر من أصقاع الأرض المتباعدة من صحاري أفريقا المنعزلة إلى ناطحات سحاب دبي ونيويورك، أن تجتمع في شعور واحد من الفرح المشترك وبالأمل بغد أفضل المبني على التفاؤل بإنسانيتنا رغم اختلافاتنا الجذرية.

احتفال رأس السنة ليس كالـ"كريسماس"، فذلك عيد ديني مثله مثل عيد الأضحى وعيد الفطر بالنسبة لنا كمسلمين، وبالتالي النظر لأمر الاحتفال برأس السنة باعتباره طقسا دينيا هو أمر خاطئ وغير دقيق، وهو الرأي الذي ذهب إليه الكاتب عبدالله بن عبدالعزيز الدريس، في مقاله التحليل المنشور في موقع (الإسلام اليوم)، والذي خلص فيه بأن "التّهنئة بهذه المناسبة (مناسبة السّنة الميلاديّة) تهنئة بأمر اجتماعيّ ليس من شعائر دين الكفار"

من نقاط ضعفنا كمجتمع، وهو ليس باكتشاف جديد، هو أننا نتعامل مع كل أمر لم نعتد عليه باعتباره بدعة، بينما لو نظرنا مثلا للدول التي تشبهنا اجتماعيا، والتي استطاعت أن تتحول إلى مدنيات متقدمة اقتصاديا على أقل تقدير، هي تلك التي تصالحت مع المشتركات التي تجمع العالم ببعضه، وتعاملت مع متغيرات العالم بطريقة لم تؤثر سلبا على البناء الاجتماعي والعقدي والنفسي للوطن والمواطن.