النيّة وحدها لا تكفي لبُنية تحتية مؤسسة بشكل ناجح، لأي مشروع أو إنجاز أو أداء مهام مناصب إدارية تخدم المواطن بمسؤولية تطمح لها الدولة، وينشدها المواطن الذي تعب من شكوى سوء الخدمات المقدمة له، سواء في مجلس الشورى الذي لا يعبر عنه أو في الصحة أو التعليم أو البلدية إلى آخرها، لأن الإنجاز يقوم على شروط الكفاءة وتوفرها فعليا في المسؤول الذي يُكلف بمهام عمله أيا كان مستوى تعليمه أو مكانته الدينية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، فالمواطن اليوم لا يحتاج إلى مسؤول ذي سيرة ذاتية تثبت شهاداته العليا التي باتت دكاكين الجامعات العنكبوتية توفرها كوجبات سريعة، كما أنه ليس بالضرورة أن كل أكاديمي هو إداري ناجح أو صاحب حكمة يمكن بسببها أن يُعين في منصب إداري رفيع المستوى، الأمر نفسه فيما يتمتع به المسؤول من مكانة اجتماعية بسبب حمله لاسم عائلة بعينها مشهود لها بالعلم والمكانة الدينية أو الاقتصادية مثلا، فالمواطن اليوم لا يحتاج إلى كل ذلك، هو يحتاج إلى كفاءة تتوفر في هؤلاء الذين تعينهم الدولة كمسؤولين وتختارهم في هيئاتها ومؤسساتها لتأدية ما يُوكل لهم من مهام بنجاح لا يحتمل الفشل، لأن الغد لا يتحمل الرهان.
وسأكون صريحة، هناك بعض الشخصيات العامة ثقافية كانت أو إعلامية أو اقتصادية تتمتع بضوء إعلامي، ربما بسبب تهافتها الإعلامي والصحفي عبر ما نقرؤه من أخبار تسويقية في صحافتنا المليئة بثغرات يسمح بها صحفيون مرتزقة لعمل دعاية مجانية لهؤلاء، وبعض هؤلاء ممن يروجون عن أنفسهم الهمّة والحماس عبر أحاديثهم وأقوالهم، لكنه لا يزيد عن حماس "إنشائي" في القول لا قيمة له إن لم يجد طريقه لترجمة فعلية عبر أفعالهم. وللأمانة أعرف العديدين في الأوساط الثقافية والإعلامية والاجتماعية خاصة النسائية، وأحيانا أقرأ تصريحات بعض منهم حول إنجازاتهم وأصاب بنوبة ضحك، لأني أعرف أن إنجازاتهم "صفر"، وأنهم مولعون بحب المناصب والأضواء عبر تصريحات كاذبة ومواربة تروج الأوهام عنهم، فيما آخرون تساعدهم علاقاتهم العائلية والمجاملات الاجتماعية في الحصول على قطعة من الكعكة، وعموما لا رقابة على كلامهم ولهم الحق أن يقولوا ما يقولون إلا أنه من حقنا كمواطنين ألا نرى بعض هؤلاء بعد ذلك في أماكن القرار، فأحيانا معايير الاختيار قد لا تتجاوز رؤيتها الورق في الصحف والسير الذاتية الممتلئة بعضويات مدفوعة الثمن وربما شهادات وهمية،
ولهذا ينبغي أن يسبق تعيينات كهذه تمحيص وتدقيق لإنجازاتهم على أرض الواقع، وليس على الورق! فلا عذر اليوم كما قال خادم الحرمين الشريفين للمسؤولين ونحن نمتلك هذه الميزانية الضخمة، كي يُصاب المواطن بخيبة أمل فيما يقدم له من خدمات، والمال يحتاج إلى أكفاء يتمتعون بشروط الكفاءة والطموح لا إلى نيّة تحتية وسيرة من ورق.