يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد الخليجي بمعدل متواضع خلال عام 2013، في حدود 3.7%، ولكن الأكثر احتمالاً أنه سينمو بنسبة أعلى، في حدود 6%، وهو معدل صحي، ولكن المحافظة على هذا المعدل بعد عام 2013 ستعتمد على معالجة عدد من التحديات الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد الخليجي، خاصة المملكة العربية السعودية.. هذا ما سأحاول إيضاحه اليوم.
صحيح أن اقتصاد دول المجلس ينمو منذ فترة بمعدلات متسارعة، إذ بلغ حجم السلع والخدمات فيه خلال عام 2012 أكثر من تريليون ونصف تريليون دولار، وهو ضعف ما كان عليه في عام 2006، وثلاثة أمثال ما كان عليه في عام 2004، بل استمر الاقتصاد الخليجي في النمو على الرغم من الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالاقتصاد العالمي في عامي 2008 و2009، ولم يتعافَ منها حتى الآن.
وإذا استمرت معدلات النمو الحالية فإن من المتوقع أن يتجاوز حجم الاقتصاد الخليجي ثلاثة تريليونات دولار بحلول عام 2020. وهذا الرخاء غير المسبوق ناتج عن تضافر عدة عوامل، مثل ارتفاع دخل دول المجلس من البترول، والسياسات المالية التحفيزية، وتحسُّن البيئة الاستثمارية فيها.
ولكن إلى متى سيستمر هذا الرخاء؟ وما هي التحديات التي يواجهها الاقتصاد الخليجي والتي يمكن أن تحدّ من هذا النمو مستقبلاً؟
وكما هو متوقع، هناك عدة سيناريوهات لما سيكون عليه وضع الاقتصاد الخليجي خلال عام 2013، تتباين فيما بينها حسب توقعاتها بشأن أسعار البترول والطلب عليه خلال العام. وتوقعات الطلب والأسعار تعتمد، بدورها، على التوقعات بشأن تعافي الاقتصاد العالمي خلال 2013. فإن كنتَ متفائلاً بتعافيه ونموه بمعدلات أعلى من معدلات عام 2012، فإنك ستتوقع أن يزداد الطلب على النفط وبالتالي يرتفع دخل الدول المصدرة له. ولكن صندوق النقد الدولي ليس متفائلاً، إذ يتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بمعدل 3.6% خلال عام 2013، وبناءً على ذلك، يتوقع أن يتراجع نمو الاقتصاد الخليجي إلى معدل 3.7% خلال العام، مقارنة بمعدل 5.5% في 2012 و7.5% في عام 2011م.
ولكن هذه التوقعات، في رأيي، متشائمة، وتتعارض مع تجربة الأعوام السابقة ومدى تأثر اقتصادات دول المجلس بالاقتصاد العالمي. ولنأخذ أزمة عامي 2008-2009 على سبيل المثال، فقد استطاع الاقتصاد الخليجي أن يتجنب كثيراً من تداعيات الأزمة على الرغم من الانحسار الكبير الذي حدث في الاقتصاد العالمي، وما ترتب عليه من انخفاض حاد في أسعار ومداخيل دول المجلس من النفط.
وبالإضافة إلى ذلك، ووفقاً لتقديرات الصندوق نفسه، فإن الاقتصاد العالمي لن ينحسر خلال عام 2013، ولكن سيمر بفترة ركود في معدل النمو الذي لن يتعدى 3.6%، مقارنة بمعدلات سلبية (تحت الصفر) خلال فترة الأزمة المالية في 2008-2009. وفوق هذين، فإن الموازنات الحكومية في دول المجلس كان لها، ولا يزال، دور ملموس في تفادي تداعيات الركود العالمي، حتى عندما ينخفض دخلها من تصدير النفط. ففي هذا الأسبوع أعلنت المملكة العربية السعودية، كُبرى دول المجلس، عن ميزانية تاريخية لعام 2013، حيث من المتوقع أن يبلغ حجم الإنفاق (820) مليار ريال سعودي، أي بزيادة ملحوظة (19%) على ميزانية العام الماضي.
فالإنفاق الحكومي بهذه المعدلات غير المسبوقة سيرفع الطلب المحلي على السلع والخدمات خلال 2013، ويعوض عن الركود الاقتصادي العالمي وما قد يؤدي إليه من انخفاض في دخل البترول.
ومقارنة بين ما حدث خلال عام 2012 توضّح ذلك بجلاء، حين انحسر نمو الاقتصاد العالمي إلى 3.3%، ومع ذلك فقد نما الاقتصاد الخليجي، في المتوسط، بنسبة 5.5%، ولذلك، فإنه إذا صحت توقعات الصندوق بأن الاقتصاد العالمي سينمو بمعدل 3.6% خلال عام 2013، فيمكن أن نتوقع أن ينمو الاقتصاد الخليجي بمعدل لا يقل عن 6%، ولذلك، فإنه ليس هناك شك، في تقديري، بأن الاقتصاد الخليجي سينمو بمعدلات صحية خلال عام 2013، ولكنّ ثمة تساؤلاً مشروعاً عما إذا كان سيتمكن من الاستمرار في النمو على هذا النحو بعد عام 2013.
وانظر إلى هذه التحديات الجسيمة التي يمكن أن تهدد استمرارية رخاء بعض دول المجلس بعد 2013م، ومنها مايلي:
أولاً: المحافظة على الموارد الطبيعية. فمعظم دول المجلس تعتمد على موارد طبيعية ناضبة، ولكنها تنتجها وتستهلكها كما لو كانت غير ذلك، حيث معدلات الاستهلاك من النفط والمياه من أعلى المستويات في العالم. وما لم نتمكن من السيطرة على هذا الاستنزاف، فإن مستقبل النمو الاقتصادي مشكوك فيه.
ثانياً: الإسراع في معدلات تنويع القاعدة الإنتاجية أو الموازنة بين القطاع النفطي وغير النفطي، لتفادي التقلبات في الطلب على البترول وأسعاره.
ثالثاً: زيادة معدلات المشاركة الاقتصادية ومعدلات التشغيل للمواطنين، فلدينا حالياً أقل نسب المشاركة الاقتصادية ومعدلات التشغيل في العالم، ووصلت معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة في بعض دول المجلس، وما لم نتمكن من زيادة معدلات مشاركة المواطنين في الاقتصاد فإنهم سيُشكّلون عبئاً إضافياً على موارد الدولة بدلاً من أن يكونوا عناصر إنتاج اقتصادي.
رابعاً: إصلاح التعليم العالي والفني، لتمكين المواطنين من المنافسة في سوق العمل في المهارات الفنية والقدرات العملية.
خامساً: زيادة القدرة الاستيعابية للاقتصاد الخليجي، الذي لا يتمكن حالياً من استيعاب جميع فوائض النفط أو استثمارات الأفراد والشركات الخاصة، حيث تستثمر نسب متزايدة منها في الأسواق العالمية بدلاً من الأسواق الخليجية بسبب انخفاض القدرة الاستيعابية.
ولو تمكنا من معالجة هذه التحديات بشكل ملموس، فسيمكن للاقتصاد الخليجي أن يستمر في النمو بعد عام 2013، حتى في حالة انخفاض أسعار النفط وانخفاض الطلب العالمي عليه.