لأن المعلم أثره باقٍ ومستمر، ويبقى ذلك الأثر طويلا مع الطالب، بل يستمر إلى أن يصبح الطفل كهلا، من خلال تلك المواقف الإيجابية التي تسترجعها الذاكرة متى احتاجت إليها، فلا تزال الطالبة الجامعية صباح الياسر تتذكر معلمتها في الصف الأول الابتدائي حيث تقول: لا تزال الصورة التي تبلورت في مخيلتي حول شخصيتها حاضرة، استرجعها في كل حين، وأنا أضرب بها أروع الأمثال في علاقتها بطالباتها، التي من خلالها ساهمت وإلى حد كبير في قوة ارتباطي بالتعليم وتفوقي في جميع المراحل الدراسية إلى أن أصبحت على مقاعد الدراسة الجامعية، وتابعت: وعلامات الرضا تبدو على ملامحها، وبابتسامة، قالت عنها: لم يغب عن خيالي أول يوم في الدراسة، وكنت وقتها طفلة صغيرة، أخشى الانفصال عن والدتي وأسرتي لساعات من النهار، والحزن يسيطر على جميع عواطفي حينما تركتني والدتي وهمت بالرحيل عن المدرسة، عندها دخلنا إلى حجرة الصف، ودخلت علينـا المعلمة والـصمت يخيم على مشاعرنا، والأصوات تتعالى في ازدياد من قبل الطالبات، حينها قالت المعلمة التي وصفتها بفيض الـحنان: أنـا والدتكن في المدرسة واسمي خديجة، وتابعت الياسر قائلة: عندما ذكرت لنا تلك العبارة عمّ بعض الهدوء على المكان، ثم بدأت في تقديم الألعاب المسلية لنا، والخروج بنا إلى الباحة الخارجية للتمتع بجو ماطر، وكانت تشاركنا في اللعب طيلة ذلك اليوم، إلى أن استطاعت السيطرة على عواطفنا بتلك العلاقة التي بدأت بها أثناء دخولها الصف، واستطردت الياسر قائلة: ظلت معاملتها لنا كذلك طيلة مكوثنا في المرحلة الابتدائية، وأنهت حديثها بكلمات وصفت بها تلك المعلمة التي استطاعت بعلاقتها الحسنة جذب الطالبات إلى البيئة المدرسية قائلة:" قلبها من أعظم القلوب صفاء ونقاء، لم تخاطبنا بعلو صوت ونحن الصغيرات في أمس الحاجة للكلمة الطيبة، وإن غضبت منّا تقول وبكل هدوء: لن استمر معكن بقية العام، فنخشى أن تدرسنا معلمة أخرى صارمة فنكف عن الضجيج، ومن هنا فهمنا لغتها الحوارية الهـادئة التي عـودتنا على الانضباط" وتابعت: لا زلت أشعر بالرغبة الجامحة في أن أكون معلمة للغـة العربية كمعلمتي خديجة، وسوف انتهج طريقة معاملتها عندما أباشر مهنة التدريس، وهي إذابة الثلج بيني وبين الطالبات، التي تكمن في العلاقة الطيبة التي تساعد على بناء العلاقات الإيجابية بين المعلمة وطالباتها.
وفي اتجاه معـاكس لا زالت الممرضة هيا السرحاني تتذكر الأسلوب والمعاملة القاسية من معلمتها في المرحلة الابتدائية التي جعلتها تنفر من التدريس ولجأت إلى الالتحاق بالمعهد الصحي فور تخرجها من المرحلة المتوسطة، في ذلك الوقت؛ حيث تقول: منذ اليوم الأول في العام الدراسي دخلت علينا معلمة الصف وهي مقطبة الجبين وكأن كارثة ما حلت عليها، فبـدأت أول لقائها بنا في انتهاج الـصوت الحاد والعالي، واعتمدت في تدريسنا على أسلوب الـعقاب والشدة والترهيب بدلا من أساليب الترغيب، وتابعت الـسرحاني قائلة: شعرت في الأسبـوع الأول بأن أمامي عقبة صعبة وشديدة لا يمكنني تجاوزها وفضلت الانقطاع عن الدراسة وعدم الذهاب إلى المدرسة، وتحت إلحاح منّي خضعت والدتي لرغبتي وهي التي لاحظت تردي حالتي الـصحية فضلا عن الأحلام المزعجة التي تراودني كل ليلة، وكانت بطلتها تلك المعلمة التي تسببت لي في ضيـاع عام كامل من عمري الدراسي، بالإضافة إلى الابتعاد عن مهنة التدريس التي طالما كانت اللعبة المفضلة لي قبل دخول المدرسة.
من جانبها أكدت "للوطن" مشـرفة الـعلاقات العامة بتعليم الطائف بدرية عيضة المالكي أن للعلاقـة الإيجابية بين المعلم والطـالب عظيم الأثر في تكيف الطالب في المحيط المدرسي، وتابعت المالكي قائلة: العلاقة الطيبة التي يحرص المعلـم على توطيدها بينه وبين طلبته تساعد في تحقيق فعالية عملية التعلم، فالمعـلم الفطن هو من يستطيع كسب ود تلاميذه ثم جذبهم لاحترامه، بالتالي تتحقق لدينا عدة أمور نحن في حاجة إليها لبناء جيل قـادر على التعـامل مع مختلف المواقف بروح بنـاءة وأخـلاقية، مما يسهم في خلق جيل واثق من ذاته. وأنهت المالكي حديثها بالقول: العلاقة الإيجابية بين المعلم والطالب هي حجر الزاوية في عملية التعلم، ووسيلة فعالة تحفز الطالب على مضاعفة الاجتهاد.
وأشارت إلى أن اللقاء الأول بين المعلم والتلاميذ مهم جدا لأن الطالب يأخذ معظم فكرته حول معلمه في اليوم الأول للدراسة.