كنت أفكر كيف أقدم فكرة جميلة جدا هدفها يقوم على أساس التعاون والارتقاء بثقافة أبناء الحي في المجتمع من قبل كل من لديه القدرة والرغبة في المساهمة، وهي ما وجدته خلال قراءتي لتقرير في جريدة “Arab News”، عن أحد الأبناء، والذي قرر وفاء لذكرى أمه، التي كانت تعمل موظفة في مكتبة عامة، أن يبني صندوقا صغيرا على شكل مكتبة ويضعه في مقدمة حديقة منزله، بعد أن صف بداخله بعضا من الكتب المنوعة والتي تخاطب أذواق الشرائح العمرية المختلفة من سكان الحي، ثم انتشرت الفكرة في أحياء أخرى بل مدن وبلدان عدة، وأصبح لها موقع على الإنترنت كمساندة، ثم.. وأنا في عز حماسي، صدمت! وصلتني تغريدة تحمل صورا مزعجة لمجموعة من الأولاد الذين انتهوا من الاختبارات فقصدوا الكورنيش الجديد للاعتداء عليه.. بقصد أم بغير قصد.. تم الاعتداء!
لن أتحدث هنا عن مسؤولية المدارس في التخطيط والتنفيذ لأنشطة فاعلة ومثيرة تشد الطلاب للمشاركة بعد الانتهاء من الاختبارات اليومية، لأنني تحدثت عن ذلك مفصلا في مقالة سابقة، ما أريد أن أتحدث عنه هنا هو عمليات التخريب (vandalism) التي نتعرض لها في ممتلكاتنا الخاصة والعامة كمواطنين، من قبل من تم إهمال تعليمهم من قبل معلميهم، وتربيتهم من قبل أولياء أمورهم، وعادة ما تكون هذه النوعية ممن لديهم أصلا مشاكلُ سلوكية منبثقة من خلل في بناء الأسرة أو مشاكل نفسية متفاوتة الحدة والنوعية، وتم إهمال التعامل مع هذه التعقيدات بالرغم من أن لها علامات واضحة في سلوكيات الطلبة اليومية.
نعلم جميعا تأثير الأقران في الدفع للقيام بمثل هذه الأعمال، والتي تعتبر جريمة رغم أن مرتكبيها لا يعاملون عادة كخارجين عن القانون. إن تأثير الأقران يشكل اتجاهات التلاميذ والطلبة، خاصة في مراحل الطفولة المتأخرة والمراهقة، ويعبر هذا التأثير إلى القيم والمبادئ لينعكس على شكل سلوكيات مرفوضة، ولكنها تتم على شكل تحد، أو تسلية، انتقام أو ثورة ضد كل من يعتقدون أنه يكرههم أو لا يهتم لأمرهم، إنها صرخات تستجدي الانتباه ولكن بطرق سلبية!
إن التعدي على الممتلكات الخاصة بالإضافة لتأثيره النفسي السلبي من غضب وإحباط من قبل صاحب المنزل أو سكان العمارة التي شوهت جدرانها، أو صاحب السيارة التي تم التعدي عليها، أو صاحب المحل الذي تم تخريب واجهته، يمتد إلى المواطنين الذين يشعرون بالأسى والحزن وأحيانا كثيرة بالاشمئزاز من مناظر الشوارع والجسور وجدران المدارس والجامعات، وبالطبع أيضا المتنزهات والحدائق العامة، على قلتها، لكن ما يوجد يتم الاعتداء عليه، وكأن شبابنا وأبناءنا يتعمدون تمزيق وتشويه كل ما هو جميل، إن هذا كله يعد جريمة ويجب أن يتعامل معها على أنها كذلك من قبل القانون والقائمين عليه، أنا لا أطالب بأن يزج الأبناء في السجون، بالطبع لا! أنا أطالب بـ: أن من يتم الإمساك به، يتم تسجيل الجنحة عليه لفترة معينة ثم تمحى من سجل الشاب مع تخرجه من التعليم العام إن لم يقم بعمل مماثل خلال هذه الفترة، أن يحكم عليه بالعمل على إصلاح ما أتلفه إن كان ممكنا، أو العمل في المدرسة خلال تواجده فيها ليعوض ولو جزءا بسيطا من ثمن ما أتلفه.
الآن كيف نحمي أبناءنا من مثل هذه السلوكيات المرفوضة من الجميع، والتي تكلف المواطن قبل الدولة الكثير من الأموال سنويا؟ أن نبدأ من المدارس في إدخالهم في أنشطة لتنظيف المحيط الأول، وهو المدرسة، ومن ثم المجتمع الحاضن أو المحلي من ممتلاكات عامة، إنه نوع من محاربة التخريب بالقضاء على آثاره فوراً، قد يستمر الحال فترة طويلة، ولكن تأثيره على المدى البعيد له نتائجه الإيجابية.. التواصل مع رجال الأمن من خلال إعطاء محاضرات في المدارس مدعومة بالصور والتكاليف وبعض المقاطع لأشخاص جرى التعدي على ممتلكاتهم، أو حضورهم للمشاركة شخصيا لشرح مدى تأثرهم ماديا ومعنويا للتلاميذ والطلبة.. العمل على تكوين لجان حي لحمايته، أو على الأقل يتم تعويد المجتمع على مواجهة مثل هذه المواقف بالتبليغ الفوري حالما يرون مثل هذه الأعمال للمسؤولين في المدرسة، أو من خلال خط مفتوح تتم الاستجابة الفورية لإلقاء القبض على المعتدين في حال كان الاعتداء في مكان عام، وأخيرا وليس آخرا دعم الأنشطة المتنوعة في المدارس من خلال التبرع بالوقت والجهد أو المال أو المكان، بمعنى آخر بأي شكل يمكن أن يسهم في الارتقاء بالأبناء ثقافيا وجسديا وروحيا لإبعادهم عن المشاكل التي يمكن أن يقعوا فيها إن لم يجدوا الإرشاد الصحيح والقنوات الفاعلة لإشغال أوقات فراغهم بما يفيد.
في النهاية أعود لسؤالي التخريب والتعدي على الممتلكات.. مسؤولية من؟ مسؤوليتنا جميعا، إن نحن أهملنا تربيتهم وتجاهلنا احتياجاتهم، ولم نقم بالتوعية الشاملة والمستمرة للمجتمع!