• عقب مرور اثني عشر عاما من القرن الواحد والعشرين والألفية الثالثة، أفكر ونحن على ناصية السنة الجديدة في كثير من الأشياء التي لم تعد سرّا في مجتمعنا، فلا النظرة هي نفسها، ولا الطريقة في تقييم الأمور والتعاطي معها كما كانت عليه. أظن أن كثيرا من الأحداث بتفاصيلها في هذه الأعوام الاثني عشر نبّهتنا إلى أنفسنا، أكثر مما فعلته أضعافها فيما مضى، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ثم المواجهة الداخلية مع الإرهاب، مرورا بتوسع رقعة وسائل الاتصال الجديدة، والإقبال المتزايد على إعلام الفضاء المفتوح، وشبكات التواصل الاجتماعي، ثم تكشّف مظاهر الفساد في كوارث على رأسها حادثتا سيول جدة، وحتى الربيع العربي الذي ما يزال قائما بتداعياته.

• فلم يعد سرّا أن الناس يتحدثون بجرأة وصراحة عن خطابات الغلو والتطرف والتغييب، في ملايين الخطب والمحاضرات، التي رزحنا تحتها – وما زلنا - زمنا ليس بالقصير، والتي قمعت المجتمع ونموه السوي، بل واختطفت تنوّعه وتعدد وثراء هويّاته واختلافه.

• لم يعد سرّا أن الناس يرون رأي العين ما يعانونه من أزمات القضاء والتعليم والصحة.. إلخ، وأنهم في أبسط مجالسهم يتبادلون قصصهم العجيبة في المحاكم من سنين، يتحدثون عن مباني التعليم المستأجرة، عن زحام الفصول والمناهج، عن الحوادث التي تموت فيها المعلّمات سنويّا، عن غلاء المعيشة، عن الثروات الهائلة، عن البطالة والفساد والمشاريع والأرقام، وعن الوعود والتمنيات.

• ولم يعد سرّا أنه قد أُهيل على المرأة كثيرٌ جدا من أشكال الحصار والمقولات، وأنها في طريقها نحو لقمة العيش الكريمة، ما زالت حتى اليوم لا تواجه بطء التشريعات والأنظمة التي تحميها فقط، بل تواجه علنا ومباشرة أولئك الذين يجوبون المحلاّت والأسواق قاطعين حبل رزقها، الذي تعول بها نفسها وأهل بيتها، أولئك الذين يهددون المجتمع كله بالسرطان، أولئك الذين يتحدثون عن غازي القصيبي بشماتة ودون أدنى ضمير ولا إنسانية.

• أخيرا.. هناك الكثير الكثير مما يجول في البيوت والسيارات والمقاهي لم يعد سرّا كما كان من قبل، ولن يعود أبدا كما كان من قبل، فعلى أقل تقدير.. صدقوني أن الناس لم يعودوا يتحدثون فيما بينهم عن إخفاقات المنتخب السعودي ولا تعصّبات الدوري والكأس فقط، وصدقوني أكثر أن هذا الجيل الذي يعبر عن إحباطه بوضوح خلف الشاشات لم يعد معنيّا بتجميع الصور بقدر ما هو معني بأسئلة كبيرة عن ذاته ومستقبله.