يعد العجز بمفهومه الشامل (الكمي، والنوعي) في معلمي التعليم العام مشكلة على مستوى عالمي في بعض المجالات مثل التخصصات العلمية، والرياضيات، والحاسب الآلي؛ إلا أن العجز الكمي والنوعي في معلمي التعليم العام في أغلب التخصصات قد يكون من المشكلات الرئيسة التي تواجه، وستواجه وزارة التربية والتعليم في المملكة العربية السعودية في هذه الأيام، وفي الأعوام الدراسية القليلة القادمة؛ فقبل حوالي عشر سنوات من الآن وفي أثناء دراسة إلحاق كليات المعلمين وكليات البنات بالجامعات اقترحت أن يكون هناك توزيع لبعض البرامج الخاصة بإعداد المعلم في بعض التخصصات (التاريخ، والجغرافيا، والتربية الفنية، والتربية الرياضية، وعلم النفس، وعلم الاجتماع) التي توقعت أن يكون لها احتياج في المستقبل، وهذا يتطلب التنسيق بين الجامعات فيما يتعلق بهذه التخصصات ويشمل التوزيع الجهات الجغرافية الرئيسة (برنامج لكل تخصص من هذه التخصصات في جامعة في الشمال، وآخر في الجنوب، وبرنامج ثالث في الغرب، والرابع في الشرق) بالإضافة إلى البرامج القائمة فعليا في المنطقة الوسطى، إلا أن هذا الاقتراح لم يؤخذ به، ولم تعمل الجامعات على فتح هذه التخصصات التي لا يحتاجها سوق العمل آنذاك، ولم تنظر بشكل واقعي لما سيكون عليه الوضع في المستقبل.

ونتيجة لذلك برز العجز في عدد معلمي بعض التخصصات التي لم يتم الاهتمام بها في الماضي أو نتيجة لإيقاف القبول في البرامج القائمة في الجامعات التي تقدم هذه التخصصات، ونتيجة للعجز في عدد معلمي هذه التخصصات ستكون هناك عودة لمعلمي الضرورة التي مرت بها مدارسنا في بدايات التعليم النظامي، كما ستكون هناك عودة للتعاقد مع معلمين من الخارج في كثير من هذه التخصصات، وكان بالإمكان ألا تكون هناك حاجة لذلك لو كان هناك تخطيط سليم، وتنسيق قوي بين مؤسسات التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم في هذا المجال.

وهنا أرى أن مؤسسات التعليم العالي ممثلة في كليات التربية مسؤولة عن إعداد معلمي مراحل التعليم العام بدرجة عالية من التمكن التخصصي، والتربوي؛ فهناك حاجة لفتح أقسام بكليات التربية تقدم برامج أكاديمية في هذه التخصصات (التاريخ، والجغرافيا، والتربية الفنية، والتربية الرياضية)، ويمكن تحقيق ذلك من خلال التنسيق الوثيق بين الجهات المسؤولة عن الإعداد والجهات المستفيدة، أو الموظفة لمخرجات هذه البرامج فيما يتعلق بالأعداد التي تحتاجها هذه الجهات على مدى عشر سنوات، وعلى وزارة التربية والتعليم أن تعمل على توفير معلومات إحصائية متوقعة عن الاحتياج في جميع التخصصات مع الأخذ في الحسبان أعداد الطلاب، والمدارس، والفصول الدراسية في مراحل التعليم العام، وكذلك أعداد المعلمين مع حساب معدل التقاعد النظامي والمبكر للمعلمين، والوفاة، والفصل، وغيرها من المتغيرات الأخرى التي من خلالها يتم توقع الاحتياج التقريبي من المعلمين في هذه التخصصات حتى ولو بنسبة خطأ مقبولة، وبعد الحصول على هذه المعلومات يتم التنسيق مع مؤسسات الإعداد في المناطق التي تقدم هذه البرامج، وفي ضوء ذلك يتم عمل خطة طويلة المدى لهذه البرامج فيما يتعلق بأعداد الطلاب التي يتم قبولها كل عام على مستوى جميع هذه البرامج، وهذا قد يضمن بدرجة عالية عدم تخريج معلمين في هذه التخصصات أكثر من الاحتياج الحقيقي ولا توجد لهم وظائف، ويتم تقليص نسبة البطالة، ومن الضروري تطوير الخطط الدراسية لهذه البرامج في ضوء المهارات، والكفايات التي تتطلبها طبيعة هذه البرامج، وبذلك نضمن أن تكون مخرجات هذه البرامج متواكبة من حيث العدد، والكفايات لمتطلبات واحتياجات وزارة التربية والتعليم، كما يتوقع أن تكون مستويات خريجي هذه البرامج عالية، ومتمكنة من جوانب التخصص، ومن الجوانب التربوية، والثقافية.

كما أن توزيع هذه البرامج على المناطق المقترحة قد يضمن التحاق الأعداد المطلوبة لكل منطقة، وتعمل مخرجات هذه البرامج على تغطية الاحتياج في هذه المناطق، ومن خلال تعيين الخريجين في مناطقهم يتم تخفيف الطلب على نقل المعلمين، وتكون حركات النقل أقل، ويكون هناك شبه استقرار للمعلم؛ لأن الاستقرار من أهم العوامل التي تعمل على زيادة إنتاجية المعلم، وعطائه في عمله، وهنا أرى ضرورة التحرك السريع للجهات المسؤولة عن إعداد المعلم، وللجهات المستفيدة للوصول إلى رؤية مشتركة تحقق الاكتفاء من المعلمين المؤهلين في كافة التخصصات، وبذلك لا يكون هناك عجز في معلمي التعليم العام سواء في العدد، أو في الكيف.