رغم أن تطبيق نظام ساهر يعمل على رصد التجاوزات المرورية والمخالفات في أنظمة السير وإلزام الجميع على احترام القانون، إلا أن ذلك خلق لدى البعض ثقافة التحدي والعناد وإثبات الكينونة المتمردة على نظام يعاقب ماليا ويتوعد قضائيا، وبذلك خلقنا أنموذجا إضافيا لنوعية من البشر ممن يثبتون يوما بعد يوم أن الرقي الإنساني هو أمر يتأصل جينيا ولا يمكن فرضه.
في الماضي كان المقيم يسير في الطريق (يداري الساس) كما يقال فلا يتجاوز النظام ولا يصطدم مع مقيم أو مواطن، يلتزم بالوقوف في إشارة المرور ولا يقطع إشارتها أو يتجاوز إلا إذا كان ذلك بجهل أو عدم دراية، إلا أني أُصعق في كل يوم أقود فيه سيارتي بمناظر سيارات تعود للعهد العثماني، يقودها مقيم حمل ضمن ما حمل مواسير التمديدات المائية تخرج كالسلاح الموجه من شبابيكها المفتوحة، وسبعة أشخاص أو نحوهم يشتركون في الركوب بتلك السيارة المتهالكة التي تترنح بهم في كل اتجاه مسببة تأزما حقيقيا لكل المحيط.
لا أعلم لماذا يلتزم السعودي والمقيم على حد سواء بأنظمة المرور بحذافيرها عندما يسافرون لدول الجوار بل ويصبح المادح الأكبر لجمال النظام وأهميته وهو الرافض الأول لتطبيقه في طرق المملكة المختلفة، هل هو إيمانه بالمثل (يا غريب كن أديب) أم لأنه متناقض كإنسان وبوجهين مختلفين!؟
أعتقد جازما أن الكثير من سكان بلادنا يعيشون مرحلة انعدام التوازن بين انبهارهم بالتحضر العمراني وافتقارهم لمقومات التحضر الإنساني، فأخلاق القيادة مثلها مثل أخلاق العمل مثل أخلاق التجارة والصداقة والمصاهرة كلها يشوبها الكثير والكثير من مظاهر الاستغلال اللاأخلاقي، فالموظف لا يفكر كيف ينتج بل يفكر كيف يستفيد ماليا وبأقل جهد، والبائع يستهدف أعلى مستوى ربح وإن كان ذلك بتقديم منتج رديء، والصداقة أصبحت علاقات مصالح والمصاهرة إما أن تنتهج العنصرية أو الإقليمية.
"ساهر" كنظام أثبت أنه قادر على تخفيض مستويات الوفيات من حوادث الطرق ولكنه فشل في خلق ثقافة احترام قوانين المرور، وفرض رسوم إضافية مثلا على العمالة الأجنبية لن تبقي لدينا فقط المؤهلين من تلك العمالة بل قد تخلق سوقا سوداء أو سعودة وهمية بشكل مبتكر لم نعهده بعد.
إيجاد المخارج المبتكرة الغير نظامية هي أهم مواصفات اللاتحضر، وقد وجد ذلك طريقه في مجتمعنا، فهل نبتكر نظاما جديدا لتعليم الإنسان كيف يكون حضاريا؟؟ أتمنى ذلك.