ارتفعت نسبة الأخطاء الطبية المرتكبة في المستشفيات الأهلية والحكومية، بنسبة 86% خلال خمسة سنوات مضت، ليصل عدد القضايا التي نظرت أمام الهيئات الشرعية الطبية في الرياض وجدة إلى 6851، الأمر الذي فسره مسؤولون في الهيئات الصحية الشرعية بغياب العقوبات الرادعة، إضافة إلى الإهمال وعدم الرقابة.
ووفقا لما حصلت عليه"الوطن" من تقرير مفصل عن الأخطاء الطبية، بلغت نسبة الممارسين الصحيين المتهمين بأخطاء طبية خلال العام الماضي2242 طبيبا وطبيبة، وممرضين وممرضات، وأخصائيي تخدير. ففي مدينة الرياض وحدها أدين منهم 1965 ممارسا صحيا غير سعودي، بينما بلغ عدد القضايا خلال العام الماضي المرتكبة في المستشفيات الأهلية بجدة 158 قضية، منها 95 قضية مرحلة منذ سنوات عدة، وتجاوز عدد المدانين من الأطباء والفنيين والتمريض خلال عام 1432 نحو 148 مدانا.
البحث عن الربح وإهمال الخدمة
وكشف رئيس الهيئة الصحية الشرعية في جدة الشيخ عبدالرحمن العجيري لـ "الوطن"، أن القضايا المعروضة أمام الهيئة الشرعية خلال العام الماضي تجاوزت نسبة الأخطاء الطبية التي يتعرض لها المرضى داخل المستشفيات الأهلية "60%"، وذلك دون أن تكون هناك رقابة صارمة من إدارة هذه المستشفيات على الممارسين الصحيين المتواجدين بها، موضحا أن ارتفاع نسبة ارتكاب الأخطاء الطبية داخل المستشفيات الأهلية أكثر من الحكومية، يعود لعدد من الأسباب منها: حرص إدارات المستشفيات الخاصة على البحث عن كسب مادي مرتفع، وتحقيق نسبة أرباح عالية، دون أن يكون في الحسبان مراعاة لسلامة المرضى، والوقوف بجانبهم في تقديم الخدمات الطبية المميزة، مقابل ما يقدمة هؤلاء المرضى من مبالغ مالية للحصول على العلاج.
وأضاف العجيري، أن تمكين بعض المستشفيات الخاصة للأطباء من العمل، دون وجود تراخيص طبية لديهم، من هيئة التخصصات الطبية، تمكنهم من مزاولة العمل كأطباء داخل هذه المستشفيات، واحدة من أسباب انتشار الأخطاء الطبية داخل المستشفيات الأهلية بنسب مرتفعة، مشيرا إلى أن أغلب الأطباء والممارسين الصحيين بشكل عام ممن يرتكبون أخطاء طبية جسيمة لا يملكون تراخيص، حيث إن هناك أخطاء طبية دخلت تحت طائلة الجريمة، وتتسبب مثل هذه الأخطاء في إزهاق أرواح العديد من المرضى. وأشار العجيري، أن الهيئة الشرعية في جدة قدمت مقترحا لوزارة الصحة، بوضع هيئة مستقلة تحت مسمى"الهيئة الوطنية لسلامة المرضى، لمكافحة الأخطاء الطبية"، حيث تعمل هذه الهيئة على تطوير نظام مستقل يعمل على تكوين اللجان لحماية أرواح المرضى، ولم يرَ هذا المقترح النور حتى الآن.
غياب العقوبات الرادعة
وأكد العجيري، أن وزارة الصحة لا تتعاون في وضع عقوبات جديدة على المنشآت الصحية المرتكبة للأخطاء الطبية، حتى تكون رادعا لمنع أصحاب المستشفيات من السماح للأطباء غير المرخص لهم بالعمل داخل المنشآت الصحية، كاشفا أن أغلب قرارات وزارة الصحة تنصب في صالح ملاك المستشفيات الخاصة، دون الالتفات للأخطاء التي ترتكب في حق المرضى وتزهق الأرواح.
وطالب رئيس الهيئة الصحية الشرعية، بوضع حد فاصل لمسلسل الأخطاء الطبية داخل المنشآت الصحية، ووضع رقابة على إدارات المستشفيات الخاصة، لمنع بعض التصرفات العشوائية، والتهاون في الكثير من اشتراطات العمل بشكل سليم داخل المستشفيات، ومن ذلك على سبيل المثال: أنه يجب أن تكون غرف العمليات مجهزة بطاقم طبي مؤهل للقيام بمهام إجراء العمليات الجراحية للمرضى، ويضم الكادر ممرضات وممرضين عمليات متخصصين للمشاركة في مساعدة الطاقم الطبي أثناء إجراء العمليات الجراحية، وذلك بجانب الشروط الأخرى من أجهزة ومستلزمات طبية، وهو الأمر الذي تتهاون فيه بعض المستشفيات، مما يؤدي إلى نتائح غير مرغوب فيها في بعض الحالات ويكون المريض ضحيتها.
وأضاف العجيري، أن إدارات المستشفيات الخاصة يمكنون الممرضات الأجنبيات من ارتكاب الأخطاء الطبية داخل غرف العمليات، وذلك بوضع ممرضات غير مصنفات للعمل ضمن الكادر المخصص لإجراء العمليات الجراحية، ورغبة منهم في تقليص الالتزامات المالية على إدارة المستشفي، مؤكدا أن أغلب قضايا الأخطاء الطبية المرتكبة من قبل الممرضات بالمنشآت الخاصة تنتهي بالوفاة.
غموض وعدم دقة
أما ما يخص تعويضات الأخطاء الطبية، والأحكام التي تنطقها الهيئات الشرعية، فتعود وفقا لنظام صادر من وزارة الصحة، كما يبين العجيري، مشيرا إلى أن وزارة الصحة أعادت النظر في الدية المقدرة شرعا للأخطاء المرتكبة بحق المرضى، حيث بلغت الدية الشرعية للمتوفى بخطأ طبي 300 ألف ريال، ودية المرأة 150 ألف ريال في حالة الوفاة.
ويؤكد عضو بالهيئة الصحية الشرعية في الرياض "تحتفظ الوطن باسمه" أن نظام وزارة الصحة تجاه الأخطاء الطبية يتصف بالغموض، وعدم الدقة والوضوح، ففي الدول الأوروبية تقع أخطاء طبية، لكنهم يحددون الخطأ، والمتسبب فيه، أما دخل المستشفيات الأهلية في السعودية لا تستطيع الهيئة الصحية الشرعية تحديد المتسبب في ارتكاب الخطأ وينصب العقاب على الطبيب، وترك المنشآت الصحية دون حساب، لعدم وجود نظام قادر على كشف الأخطاء، لذلك تقع أخطاء في التشخيص والعلاج ولكن لا ترصد، ودائما ما يتم اختيار طبيب أو آخر، ليكون كبش فداء، لأنه ليس لدينا دقة في تحديد المسؤولية.
الروتين يقصي "حقوق الإنسان"
من جهته كشف المحامي وعضو هيئة حقوق الإنسان الدكتور عمر الخولي، أن الهيئة تلقت عددا من الشكاوى لأشخاص ذات صلة بأخطاء طبية، لكن هيئة حقوق الإنسان لا تملك كسر الروتين المتبع في مثل هذه القضايا، فما تملكه الهيئة هو إرشاد صاحب الخطأ الطبي إلى رفع شكوى لوزارة الصحة، أو تكليف هيئة حقوق الإنسان، بكتابة خطاب لوزارة الصحة، مضيفا أن هيئة حقوق الإنسان تقدمت لوزارة الصحة بمقترحات قد تقلص من عدد الأخطاء الطبية منها: التأهيل العلمي للأطباء، ومزاولي مهنة الطب، ولا يعطي ترخيص المزاولة إلا بعد أن يخضع الممارس الصحي للاختبارات ويتجاوزها، ثم يسمح بمنحه التراخيص الطبية لمزاولة المهنة، ومتابعة المرافق الطبية من حيث التجهيزات لكل حالة مرضية داخل المنشآت الصحية الخاصة، وذلك لتقليص ارتكاب الأخطاء الطبية. وأكد على أهمية مضاعفة العقوبة على الأطباء، الذين يعملون داخل المستشفيات، بعد انتهاء التراخيص التي تمكنهم من مزاولة المهنة، أو لا يملكون هذه التراخيص، حتى يكون ذلك رادعا لهم. وطالب الخولي، بعدم ربط الأخطاء الطبية بالدية الشرعية، وذلك لفرض غرامات مالية تتجاوز الدية الشرعية، لتكون العقوبة أكثر ردعا، وذلك لوضع تعويضات إضافية، فما يفقده الشخص خلال عملية جراحية من منفعة ما قد لا يتم تعويضها، لذا هناك حاجة ماسة إلى فرض تعويضات مالية مرتفعة. وأكد الخولي، أن تأخير البت في القضايا الشرعية، يعود إلى أن ذلك سمة عامة في كافة القضايا العامة، سواء قضايا أخطاء طبية أو القضاء الإدراي أو القضاء النوعي المتخصص، ويعود ذلك لكثرة عدد القضايا، وقلة عدد القضاة المتخصصين في القضايا المختلفة، والهيئة الصحية الشرعية من القضاء النوعي المتخصص، ويعاني من نقص شديد في عدد القضاة.
وأوضح أن وزارة الصحة إذا تساهلت في أداء التزاماتها بعلاج المواطنين بصورة تحفظ لهم كرامتهم، فمن باب أولى أن تتهاون في مسألة حصول المواطنين على حقوقهم، في الأخطاء الطبية المرتكبة بحقهم أيضا. ومن أسباب التأخير في البت بالقضايا، أن أعضاء الهيئة الصحية الشرعية غير متفرغين وهم متعاونون فقط، ولذلك يحتاج النظام إلى تطوير، وأيضا في بعض القضايا تحتاج اللجنة الحصول على رأي طبي محايد، وترسل إلى خبير طبي في مستشفى معين، وقد تجد الهيئة الصحية تجاوبا سريعا في بعض القضايا، ولا تجد تجاوبا في البعض الآخر.