لا يزال الرئيس أوباما على بعد أسابيع من تنصيبه رسميا للمرة الثانية رئيسا للولايات المتحدة، وهو يواجه اختبارين هامين لرئاسته قد يحددان الاتجاه الذي تأخذه الولايات المتحدة على مدى السنوات الأربع القادمة.

الاختبار الأول تم تقديمه في 19 ديسمبر خلال مؤتمر صحفي في كابيتول هيل عقده عضوا الكونجرس والتر جونز وتشارلز رانجل. والتر جونز من الحزب الجمهوري يمثل منطقة نورث كارولينا التي يوجد فيها عدد كبير من العسكريين. تشارلز رانجل من الحزب الديموقراطي ويمثل منطقة هارلم من مانهاتن في نيويورك التي تسكنها أغلبية من الأميركيين من أصل أفريقي. انضم إلى عضوي الكونجرس ضابطان عسكريان متقاعدان بارزان من وكالة استخبارات الدفاع، الكولونيل باتريك لانج والكولونيل توني تشافر. الكولونيل لانج كان رئيسا لجميع عمليات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوكالة استخبارات الدفاع، وكان في وقت من الأوقات ملحقا عسكريا في السعودية واليمن.

الرسالة التي أوصلها الرجال الأربعة في 19 ديسمبر كانت صريحة. إذا أمر الرئيس الأميركي بعمل عسكري أميركي ضد سورية دون موافقة الكونجرس فإنه قد يواجه إجراءات لعزله. جونز ورانجل ركزا على أن الكونجرس وحده يملك السلطة الدستورية لإعلان الحرب. أي عمل عسكري يهدف للإطاحة بحكومة الرئيس بشار الأسد في سورية سيمثل إعلان حرب. عضو الكونجرس رانجل وجه سؤالا مباشرا للرئيس أوباما: لو أن ليبيا شنت هجوما صاروخيا على أراضي الولايات المتحدة، هل سيعتبر الرئيس والشعب الأميركي ذلك إعلان حرب، بغض النظر عما إذا كان هناك جنود ليبيون على الأراضي الأميركية؟ الجواب البديهي هو "نعم"، ومع ذلك لم يرجع الرئيس أوباما إلى الكونجرس قبل أن يرسل مقاتلات أميركية لقصف الأراضي الليبية لفرض منطقة حظر جوي كانت أول خطوة لتغيير النظام.

في مناسبات كثيرة، منذ حرب فيتنام، أدخل الرؤساء الأميركيون البلد في حرب دون نقاش كاف في الكونجرس. في عهد الرئيس أوباما، تم تهميش الكونجرس تماما كما لم يحدث من قبل.

إذا كان الاختبار الأول للفترة الرئاسية الثانية لأوباما ذا طبيعة دستورية، فإن الاختبار الثاني له علاقة بالإرادة السياسية. منذ عدة أسابيع، سرب البيت الأبيض تقارير للإعلام الأميركي بأن الرئيس سيرشح السيناتور الأميركي السابق تشوك هاجل، وهو من الحزب الجمهوري، كوزير للدفاع ليحل محل ليون بانيتا. التسريب سبب مباشرة عاصفة نارية من الهجمات ضد السيناتور هاجل وتم اتهامه بأنه عدو لإسرائيل وحتى إنه معاد للسامية. في الحقيقة، لم يكن السيناتور هاجل معاديا لإسرائيل في أي وقت من الأوقات، لكنه ببساطة وضع مصالح الأمن القومي الأميركي فوق أمن إسرائيل، وكان دائما يتحدث بصراحة حول الفرق بين المصالح القومية الأميركية والإسرائيلية.

هاجل حاصل على وسام لمشاركته في حرب فيتنام، ولديه خبرة واسعة في شؤون الأمن القومي الأميركي. منذ تقاعده من مجلس الشيوخ الأميركي، خدم هاجل في مركز أبحاث (أتلانتيك كاونسل) المرموق التابع لحلف الناتو في واشنطن. كما شغل منصب الرئيس المشارك للمجلس الاستشاري للسياسة الخارجية للرئيس أوباما ورئيس مجلس الإشراف على الاستخبارات التابع للرئيس أوباما أيضا. تقول مصادر في البيت الأبيض إن هاجل مقرب بشكل شخصي من الرئيس أوباما.

محاولة منع تعيين هاجل دعمها علنا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي حذر من أن تعيين هاجل سيؤذي العلاقات الأميركية-الإسرائيلية.

ترشيح هاجل أصبح اختبارا صعبا لاستقلال الرئيس أوباما عن اللوبي الصهيوني ونفوذ إسرائيل الذي يصل إلى حد الابتزاز. هناك مجموعة كبيرة من العاملين السابقين في وزار الخارجية الأميركية عبروا عن تأييدهم لترشيح هاجل، بما في ذلك القنصل الأميركي العام السابق في القدس دانيال كورتزر. إذا اختار الرئيس أوباما شخصا آخر ليكون وزيرا للدفاع، سينظر إليه على أنه رئيس ضعيف، وسيكون عرضة للتهديدات من اللوبي الصهيوني.

مع تأكيد الكونجرس التزاماته وحقوقه بحسب الدستور الأميركي، سيتعين على الرئيس أوباما أن يظهر أنه يحترم الفصل الدستوري بين السلطات، وفي نفس الوقت، عليه أن يكون قويا في تأكيد سلطات الفرع التنفيذي في الدولة. عليه أن يذهب إلى الكونجرس للحصول على موافقته قبل أي عمل عسكري، سواء كان ذلك في سورية أو إيران أو في أي موقف آخر قد ينشأ فيما بعد، لكن عليه أيضا أن يبرهن أنه يمتلك السلطة لاختيار الأشخاص الأكثر كفاءة وأصحاب المؤهلات الأفضل في حكومته. إذا كان اختياره على هذا الأساس، فإنه سيختار السيناتور هاجل كوزير للدفاع. رغم الاحتجاجات الصاخبة التي يثيرها بنيامين نتنياهو واللوبي الصهيوني، فإن ترشيح هاجل سيحظى بموافقة مجلس الشيوخ الأميركي. تعيين هاجل، إلى جانب تعيين السيناتور جون كيري كوزير للخارجية سيوفران للرئيس أوباما فريقا أمنيا قويا للتعامل مع الأزمات التي سيواجهها بالتأكيد على مدى السنوات الأربع القادمة.

إذا تراجع أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو فإن آفاق أزمة بلا نهاية في الشرق الأوسط سوف تزداد بشكل كبير.. وتلك ستكون كارثة ليس لأميركا فقط، ولكن للشرق الأوسط والعالم أجمع.