"المطلوب هو نزع الحجاب.. المطلوب هو السفور.. المطلوب هو التبرج والاختلاط"!، "فكفانا يا دعاة الرذيلة، أنتم لا تريدون تحرير المرأة، بل أنتم تريدون الوصول إلى المرأة، فحججكم واهية، وكيدكم ظاهر، تنادون إلى الاختلاط وفق الضوابط الشرعية، وأن تعمل المرأة جنباً إلى الرجل وفق الضوابط الشرعية.. هدفهم تمرير ما يريدون مغلفا (بعبارة الضوابط الشرعية)، لأنهم يعلمون خصوصية هذا البلد وتمسكه بدينه، فليس لديهم أي حجة إلاّ أن يرددوا (عبارة وفق الضوابط الشرعية)"!
الأقوال السابقة تمثل وجهات نظر البعض في مواقع التواصل الاجتماعي ومنتديات الإنترنت، حول قضية عمل المرأة، وخاصةً بعد تطبيق قرار تأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية، وتوسيع دائرة عمل المرأة في بعض الشركات والمؤسسات.
فهم يرون في قرار تأنيث المحلات على سبيل المثال، أنه ليس إلا مخططا غربيا، وتلبية لما تطلبه مؤتمرات المبشرين، وما يطلبه الصليبيون الذين يخططون، لذا كان في البداية طمأنة الناس وأولياء الأمور، حتى يسمحوا لنسائهم وبناتهم بالعمل في الأسواق والشركات، من خلال مبدأ "الضوابط الشرعية"، وذلك "منعاً لإثارة الشكوك"، وبعد تطبيق القرار بدأت تنكشف مخططات التغريبيين، حيث ظهر العديد من المخالفات "الشرعية والنظامية"، فيقول أحدهم: "قدمنا تقريراً كاملاً عن مخالفات وزارة العمل للأنظمة والتعليمات في أمور عديدة، منها السماح للمرأة بالعمل في بيئات لا تتوافق مع طبيعتها، مثل العمل في المواقع المختلطة، إضافة إلى تعدي الوزارة وتفسيرها للحجاب الشرعي، رغم أن هذا الأمر ليس من اختصاصها".
في الحقيقة، تعد قضية عمل المرأة في المجتمع، قضية معقدة وشائكة، ولها أكثر من قراءة ومنظور، منها ما يتعلق بالتنمية، وأخرى تندرج تحت إطار الخصوصية والعادات والتقاليد. ووجهات النظر التي أوردتها آنفاً في هذا المقال تمثل انعكاساً للمشهد الحياتي في مجتمعنا، لها إيجابياتها وسلبياتها.
فمن إيجابياتها أنها تلقي الضوء على إشكاليات الأنظمة والقرارات عند تطبيقها على أرض الواقع، بالإضافة إلى أنها تثير مسألة مهمة جداً تتعلق بحماية المرأة في سوق العمل، ناهيك عن إثارة الحراك الفكري في المجتمع.
وأما سلبياتها فتتمثل في أسلوب الطرح والمناقشة التي تميل في معظمها إلى الحدة وتتضمن ألفاظ التخوين والمؤامرات وتنفيذ المخططات الغربية، مما ينعكس بالسلب على حقوق المرأة نفسها، وعلى الخطط التنموية للدولة.
صحيح أن المجتمع قد تجاوز مسألة السماح للمرأة بالعمل خارج بيتها، بمراحل عديدة، وكثير من الناس يدركون أن هناك دوافع عديدة لعمل المرأة، لعل من أهمها التوسع في جوانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المملكة، ولكن تبقى القضية محصورة في جانبين، الأول يتعلق بفتح المجالات الجديدة لعمل المرأة، والثاني يتعلق بعدم وعي البعض بإنسانية وكرامة المرأة وذاتها، والاستقلال في شخصيتها والتي تجدها في العمل من خلال توسيع مداركها وخبراتها.
ولنناقش قضية المعترضين على عمل المرأة في المحلات النسائية، فهناك من يريد إلغاء القرار من أساسه، فكما رأينا سابقا هناك من يقول إن مبدأ الضوابط الشرعية ما هو إلا " ذر الرماد في العيون"، وآخرون يقولون إن هناك مخالفات شرعية.. فهل هذا الاعتراض صحيح؟
في الحقيقة يريد البعض أن يكبل القواعد النظامية لعمل المرأة السعودية، والصادرة عن وزارة العمل، ويجعلها محكومة للموروث القديم، والاجتهادات المتباينة والمتناقضة في هذا المجال، وغير المنفتحة على متغيرات المجتمع المعاصرة، والكثير منا يعلم أن هناك اجتهادات متنوعة وفكرا بشريا يخطئ ويصيب، وبناءً على ذلك يقيس البعض أن ما يحدث في بيع المستلزمات النسائية ككشف الوجه مثلاً، أو الاختلاط في الأماكن العامة هو مخالفة للضوابط الشرعية، أو ليس هناك تحديد دقيق لها، وكما نعلم أن فقهاء المسلمين يختلفون في هذه المساءل، فكيف تكون إذن هناك مخالفات شرعية؟ مع العلم أن هناك من النساء من يكشفن الوجه، وهناك اختلاط في كثير من الأماكن العامة في المجتمع، وكثير من الناس لا يستنكر ذلك، وكذلك فقهاء المسلمين.
في المقابل، من يقرأ دليل اشتراطات تنظيم عمل المرأة السعودية الصادر عن وزارة العمل، يجد تفاصيل وضوابط جيدة تراعي عادات وتقاليد المجتمع، وكذلك المسائل الفقهية التي اتفق على مبادئها الفقهاء المعاصرون.. تبدأ من تفاصيل اشتراطات التنظيم داخل المحل، وتأخذ في الاعتبار هل المحل مغلق أم مفتوح، كما تضمنت تفاصيل لزي العمل، تهدف إلى الحشمة والستر في المقام الأول، وعليه فإن وجدت مخالفات لهذه الضوابط، فإنها تكون صادرة من البائعة أو صاحب العمل، وليست صادرة من الوزارة.. فكيف إذن تخالف الوزارة الضوابط الشرعية والنظامية؟
قد تعاني وزارة العمل من إشكاليات تتعلق بإدارة التفتيش والرقابة على ضبط المخالفات، ولكن هذا لا يعني أنها هي التي تخالف القرارات التي وضعتها بشأن عمل المرأة. وكما رأينا آنفاً فإن قواعد تنظيم وضع المرأة في السوق استندت على الثوابت والمبادئ التي اتفق عليها معظم علماء المسلمين، وهي قد تتناسب مع متطلبات عصرنا الحاضر، وهذا أيضاً لا يعني أنها كاملة ولا تحتاج إلى مراجعة وتحديث.
لا أريد أن أخوض في مناقشة تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع، ولكن ما أريد قوله بالتحديد، أن الجميع متفقون على أن حماية المرأة سواء من التحرش أو الإيذاء مطلب شرعي ومجتمعي وإن اختلفت النظريات حول كيفية التطبيق، ولكن أسلوب الجدل الحاصل اليوم سواء بالسماح أو المنع لعمل المرأة، لا يخدم قضيتها ويلهينا عن قضية مهمة جداً، وهي مسألة الأنظمة والقوانين التي تحمي المرأة سواء من الإيذاء أو التحرش أو التعسف، والعقوبات الجزائية الرادعة لمخالفتها، وهذا ما ينقص قواعد تنظيم عمل المرأة في الحقيقة، وهو ضابط شرعي مهم، لم نلتفت إليه للأسف الشديد!