في رقصاته اللغوية "على إيقاع الماء"، يصر شاعر شباب عكاظ، الفائز بجائزة الشارقة للإبداع العربي، إياد أبو شملة الحكمي، على أن يُسمع أصدقاءه كل نبضاته اللغوية، ولذا فإن القارئ في "على إيقاع الماء" لا يرى الحكمي مفردا، وإنما يراه بصحبة الصحب الذين يظهرون في كل سطر شعري، ظهورا يشبه ظهور الحبيبات في شعر العشاق، والأوطان في قصائد المغتربين.
أصدقاء إياد الحكمي يحتلون مساحات واسعة من لغته، ومن ديوانه، منذ الخفقة الأولى، حتى النبضة الأخيرة، ففي الإهداء جاء: ".. للأصدقاءْ.. للعازفين على دمي لحن البقاء"، وفي ثنايا الرقص يتراقص أصدقاؤه في نصوص: "النديم، وفقير النبض، وفتنة الطين"، ولا يختفون في بقية النصوص، على الرغم من أنهم ليسوا في واجهتها.
إياد الحكمي يرى في أصدقائه نقاده وملهميه؛ فيرتبك فرحا حين يرى أحدهم مقتحما القاعة التي تضم له أمسية شعرية، ويستقطع من وقت الشعر ما شاء ليقول لوفائهم: شكرا، ثم يكررها بغير طريقة، وبأكثر من إيحاء.
الأصدقاء عند الحكمي هم الروح التي تُنفخ في القصيدة، فتهبها الحياة التي أهلته للفوز بأرفع الجوائز الشعرية، وجعلته حديث القصيدة وعشاقها وأدعيائها وكارهيها ومحبيها.
ولما كان حضور الأصدقاء طاغيا في ديوان الحكمي، فإن تصنيف هذا الحضور عصيٌّ على التقسيمات المعروفة في "الإخوانيات"؛ ذلك أنها ليست مدحا خالصا، ولا عتابا صافيا، ولا شكوى واضحة، ولا عتابا نقياً، وإنما هي كل ذلك وأكثر، لأنه يكتبها عن أصدقائه ولهم، لتتحول إلى حوار فلسفي، أو شكوى ذات مضمون نفسي خالص، أو مطارحاتٍ تتجاوز استعراض المهارة الشّعريّة، إلى التعبير عن وجدان الآخر، وتلك أعلى درجات التفاعل مع ضمائر الآخرين.
إخوانيات "على إيقاع الماء"، مواساة لغوية فاخرة، تخرج صاحب الألم من دوائر اليأس والتشاؤم، وتمنحه الشّعور بأنّ في المحيطين به من يتحسّس آلامه، ويحاول تخفيفها عنه، بأغلى ما يستطيعه، وهو الشعر، وإن كان ذلك بالإمعان في تصويرها، لكن الشعور بها كاف لتخفيفها؛ لأن المواساة الشعرية تعني المشاركة في الحزن، على الرغم من أن أصلها "المشاركة في الرّزق"، إلا أنها تدلّ على المشاركة في الأمور المعنويّة والأحوال النفسية التي تحتاج إلى مشاركة الآخرين في الشعور بها كي تخفّ آلامُها، من مثل: الحزن والاكتئاب والشعور بالاغتراب، وهو ما يبدو أن الحكمي يتحسسه في أصدقائه، ويحرص على أن يضع بلسم لغته على جراحه، بدافع من إنسانية الشاعر، ومن قلب "جنوبيٍّ يصون ولا يخون".
هذا إياد يواسي، أو يداوي، أو ينكأ، فيقول:
لم تراودْك عن حزنك الأرضُ
إلا لأنّك ترجئُ
موعدك المشتهى
للسماء..
هذه الأرضُ
تعرف رائحةَ الضوء
في كتفيك..
وتعرف أنك
حين تميل إليها
تميل إليك!
إنها فتنة الطين للطين يا صاحبي..
إنه أنتَ
حين تصحّحُ
بعضَ مفاهيمنا..