قيس عمر العجارمة


لطالما أثار الفنان الكبير عادل إمام إعجاب الملايين من أبناء الأمة العربية بفنه الذي تخصص بالكوميديا والنقد السياسي الساخر، الذي كان يحاكي عواطف أبناء الأمة للتخفيف عنهم هموما أثقلت كاهلهم، وبمراجعة بسيطة لأعمال هذا الفنان نجد أن من السهل جدا الربط بين ما نشهده من أحداث على الساحة العربية بعد الربيع العربي، - وما خلفه من تداعيات سلبية كانت أم إيجابية- وبين ما قدمه من أعمال لامست جميع المشاكل التي تعانيها المجتمعات العربية، سواء من الناحية الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو حتى الثقافية.

لكن أعمال هذا الفنان أو غيره من الفنانين لم تخرج عن النمط التقليدي للثقافة العربية العاطفية التي كانت تعكس الواقع بطريقة مبرمجة، لا تظهر فيها إلا صورة نمطية واحدة يكون فيها المواطن العربي مثاليا لا يخطئ، خصوصا في الأمور السياسية فنجد دائما أن المواطن لا يخطئ ودائما ما تكون المشاعر الوطنية جياشة في هذه المسلسلات والأفلام، حتى درجة الابتذال.

أما مسلسل ناجي عطا الله فقد خرج عن المألوف والصورة النمطية المثالية التي لطالما أغرقتنا بها تلك المسلسلات والأفلام، فهذا المسلسل مثل نهجا جديدا، اتخذ من الكوميديا البسيطة الصادقة وسيلة لمعالجة وإظهار الواقع الحقيقي، وهنا لا أعني قصة المسلسل وأحداث اختراق إسرائيل، بل الرسائل التي نستنتجها من مسار الأحداث التي تضمنتها حلقاته، فكانت البداية في تعاطيه مع إسرائيل والإسرائيليين في بداية المسلسل، وأولى هذه الرسائل هي:

الحوار الذي دار بينه والملحق الإعلامي في السفارة المصرية جمال عبد الناصر (كما سماه المسلسل) الذي يشكل نموذجا متطرفا في عواطفه تجاه الإسرائيليين، لا يحمل سلاحا للإسرائيليين الصهاينة سوى الكره، والكره للأسف وحده لا يصلح سلاحا فلو كان كذلك لتلاشت إسرائيل منذ زمن بعيد!

لقد أظهر عادل إمام نوعا جديدا من التعاطي مع الإسرائيليين يمثل فكرا ونهجا جله أننا يجب أن نبحث عن أسلحة جديدة لمحاربة هذا العدو الذي يتفوق علينا بكل شيء.

وكما عبر هذا الفنان أن الحرب مع إسرائيل لم تعد حرب دبابات وطائرات وإنما هي حرب حضارة وعلم وتكنولوجيا......ربما أن هذا الكلام لا يعجب كثيرا ممن لا زالوا يستلهمون عزيمتهم البائسة من تغريبة بني هلال وقصة الزير سالم وعنجهية عنترة، ويتفاخرون بنصر صلاح الدين الأيوبي، مرورا بالظافر والقاهر وصولا إلى صواريخ الحسين والعباس، ويترنمون على الأهازيج والأغاني الحماسية إلا أنها وللأسف لم تقدم لهذا الصراع شيئا سوى الخسارة تلو الخسارة أمام عدو يزداد قوة وبأسا يوما بعد يوم.

أما الرسالة الثانية التي نستنتجها من هذا المسلسل فهي دوامة الصراعات والخلافات والتشتت الذي يعيشه الشعب العربي فرقا وأحزابا وطوائف يتم استثمارها من أجل مصالح ضعيفة وضيقة، التي كان يعبر عنها بكلمة (دول مع دول ودول ضد دول).

إن ناجي عطا الله يمثل شخصية المواطن العربي المصري الواقعي الذي لا ينظر للأمور من خلال عواطفه بقدر ما ينظر لها ويعالجها بعقله.

والسؤال هنا هل نحن فعلا بحاجه إلى أن نعمم هذا الفكر .. أم نبقى أسرى للندب والبكاء والشكوى على حظنا العاثر؟.