من أفضل الخطوات الاقتصادية، التي طال انتظارها، سعي المملكة اليوم لمنع تصدير السلع المدعومة من قبل الدولة مثل الدقيق المدعوم بأكثر من 70%، أو استرداد قيمة الدعم الممنوح للسلع عند تصديرها مثل الدواجن المدعومة بريالين للكيلو الواحد.
للدعم 7 أنواع مختلفة، أهمها الدعم الاجتماعي الذي تم تصنيفه في 4 أشكال: الدعم الوجداني الذي يهدف إلى ترسيخ مبادئ التعاطف والمودة والمحبة والتشجيع والرعاية بين أطياف المجتمع، والدعم الملموس الناتج عن تقديم الدولة للإعانات المادية في سعيها لحماية المستهلك من ارتفاع أسعار السلع والخدمات، والدعم المعلوماتي القائم على نشر المعلومات الدقيقة وإجراء الدراسات وتوفير المقترحات للقطاعات الإنتاجية، والدعم الانتمائي الذي يمنح المواطن الشعور بانتمائه لمجتمعه.
للحد من تشويه مسار التجارة الحرة، يخضع الدعم المادي الملموس في النظام التجاري العالمي إلى ضوابط فنية وأحكام قانونية تحكم هذا الدعم بفئاته الثلاث: الدعم المحظور، والدعم المسموح، والدعم القابل للتقاضي. لذا نصت اتفاقية الدعم والتدابير التعويضية فى منظمة التجارة العالمية على ضرورة تقيد الحكومات بهذه الضوابط والأحكام لمنع الآثار السلبية الناتجة عن الدعم وتسوية المنازعات الناشئة عنه. وتم تعريف الدعم المحظور بأنه المساهمة المالية المباشرة أو غير المباشرة التي تقدمها الدولة لمنتجاتها وصادراتها.
من بين أنواع المساهمة المالية المباشرة، الدعم المرتبط بالأداء التصديري مثل توفير مدخلات مدعومة لإنتاج سلعة تصديرية، وتقديم مكافآت مالية للتصدير، وفتح اعتمادات بمعدلات فائدة متميزة، وإعفاء الصادرات من الضرائب المباشرة وغير المباشرة، واسترداد رسوم الاستيراد التي تزيد على تلك المفروضة على مدخلات السلع التصديرية، واعتماد ضمان الصادرات بأقساط غير كافية لتغطية تكاليف برامج الصادرات على المدى البعيد. وتعتمد سياسات الدعم على أساليبها الملتوية الهادفة إلى الإضرار بالسوق المحلي والمنتجات الوطنية، وتتطلب طرق معالجتها المعقدة والمتشعبة إلى معرفة دقيقة بأحكام القواعد القانونية المدونة في اتفاقات المنظمة، ولا يعتدّ بمضمون قضاياها وآثارها على المنتجات الوطنية إلا بعد التحقق من هوامشها والتأكد من ضررها.
في الوقت الذي تتمتع أسواقنا الغذائية الوطنية بقدرات استيعابية فائقة وقوة شرائية مميزة وأسواق مفتوحة أمام الواردات الأجنبية، تتمتع منتجاتنا الوطنية بالدعم المحلي السخي، مما أدى إلى مضاعفة معاناة المستهلك السعودي من خطرين متناقضين: الأول يتمثل في الدعم الخارجي لواردات المملكة من المواد الغذائية مثل الدواجن واللحوم، التي تسعى إلى منافسة المنتج الوطني بوسائل غير مشروعة، مما أدى إلى استحواذ الشركات الأجنبية على حصة في السوق السعودي تعادل 6 مليارات دولار أميركي من لحوم الدواجن، و5 مليارات من لحوم الأغنام، و4 مليارات من لحوم الأبقار. والخطر الثاني يتمثل في الدعم المحلي السخي لحوالي 63% من السلع و43% من الخدمات، والتي يتم تصديرها للخارج ليفقد المواطن المزايا الناتجة عن هذا الدعم.
في العام الماضي تلقت السلع الغذائية الأساسية دعماً مادياً محلياً بلغ 12 مليار ريال، إضافةً إلى المبالغ الضخمة التي تكبدتها الدولة في تمويل المشاريع والمعدات الزراعية لدعم الزراعة المحلية، وبدأت المملكة بتخفيضها منذ 6 سنوات بنسبة 13% سنوياً تنفيذاً لالتزاماتنا في منظمة التجارة العالمية. كما فاق الدعم المادي المحلي 17 سلعة مستوردة من سلع الأعلاف وبقيمة محددة للطن الواحد تساوي 452 ريالا للذرة الصفراء و758 ريالا لكسب الصويا و294 ريالا للشوفان و420 ريالا لنخالة القمح و324 ريالا لمولاس القصب.
من الواضح أن المملكة تقوم باستخدام فئة الدعم المسموح بها لتشجيع الإنتاج المحلي للسلع الغذائية الرئيسية، مثل المياه والألبان والدواجن والماشية والخضراوات والفاكهة، وكذلك الصناعات الأساسية، مثل الكهرباء والأسمنت والمحروقات ومواد البناء وغيرها؛ إلا أن هذه الفئة من الدعم تكبد الدولة مليارات الريالات، وتدخل في جميع أوجه الحياة لتحقيق الرفاهية للمواطن وتخفيف عبء غلاء الأسعار وتنظيم الوضع الاقتصادي في السوق المحلية. كما يستفيد من هذا الدعم الغني والفقير إلى جانب استفادة 10 ملايين وافد ومقيم على حد سواء. لذا فإن تصدير الدواجن الوطنية يعني تصدير الدعم المادي السعودي السخي، وتصدير الألبان والفاكهة والخضراوات المنتجة محلياً يعني تصدير المياه السعودية الباهظة التكاليف، وتصدير المنتجات الصناعية الوطنية من الأسمنت والحديد يعني تصدير الكهرباء والطاقة السعودية المدعومة. عندما نقوم بتصدير هذه المنتجات، فنحن في الواقع نقوم بتصدير الدعم الحكومي لدول أخرى بأبخس الأثمان، مما يكبد الدولة تكاليف باهظة ويؤدي إلى حرمان المستهلك في السوق السعودية من وفرة السلع الأساسية وندرتها وزيادة أسعارها.
لمعالجة مشكلة الدعم، أطلقت منظمة التجارة العالمية قبل 12 سنة أول جولة من المفاوضات التجارية، وعقدت الدول خلالها أكثر من 77 اجتماعا رئيسيا ومئات الاجتماعات الفرعية. إلا أن هذه الجولة ما زالت تعاني اليوم من تباعد مواقف الدول الأعضاء بشأن المواضيع الحساسة المطروحة على أجندتها التي من أهمها إلغاء الدعم الزراعي المحلي في أميركا وتخفيض دعم الصادرات الزراعية في الدول الأوروبية واليابان. الدول النامية برئاسة البرازيل والهند والصين تطالب الدول المتقدمة بضرورة إلغاء الدعم الزراعي المحلي الذي تنمحه أميركا لمزارعيها الذي فاق 48 مليار دولار سنوياً، وكذلك تخفيض دعم الصادرات الزراعية الذي يمنحه الاتحاد الأوروبي واليابان لمزارعيهم والذي بلغ 300 مليار دولار سنوياً.
من المهم أن نطالب هذه الدول بوقف تصدير منتجاتها المدعومة لأسواقنا، ولكن الأهم أن نبادر بالتوقف عن تصدير منتجاتنا المدعومة إلى الأسواق الخارجية.