استوقفني في الردود الإلكترونية على مقالي بالأمس، رأي القارئ الكريم العزيز، فهد المالكي، وهو يقول بما أختصره: إن الكاتب درس في الغرب، وإن الجوع الحقيقي هو عدم قراءة القرآن الكريم وتدبر أحكام الفقه الإسلامي.

أنا كتبت عن قصة مؤلمة لأب شاب ترك ابنته للموت لأنه لم يتمكن من تحمل مصاريف الإقامة للجرعات الكيميائية التي تحتاج لست جلسات لستة أسابيع متصلة. ذهبت إليه على بعد أكثر من 300 كيلومتر مواسياً معزياً وكتبت عن حالته فما دخل الدراسة بالغرب، وما هو دخل حفظ القرآن الكريم ودراسة أحكام الفقه بقصته الموغلة في جفاف الإنسانية؟. ولو أن القارئ العزيز، فهد المالكي، شاهد بكاء الأخت الصغرى على الأخت الراحلة ثم استمع إلى تراتيل (الليلة الأخيرة) لعائلة تودع الابنة البكر لما أقحم (الدراسة بالغرب) في موضوع لا علاقة للدراسة به. ومن المؤكد أن مثل هذه الآراء لن تقتل في كاتبكم (نشازه) في الميل إلى كتابة الحالات الإنسانية. سيظل عشائي في بيت (سالم) أجمل وجبات عامي الأخير، معترفاً أنه قدم لي أكثر مما قدمت له.

نعم، كتبت بكل الإصرار ومع كامل السبق أن (سالم: فكرة اشتراكية من عمق رأس المال)، لأنني مؤمن تمام الإيمان أن إنقاذ طفلة من الموت أهم من تحفيظ ألف طفلة بحلقات تحفيظ القرآن الكريم، وهذا إيمان شخصي أقابل به رب العالمين، مؤمن بهذا يوم تنشر الصحائف. ما أدعو له أخي، فهد المالكي، أن تتلمس قصة، أب وأم، ينامان تحت أشجار المستشفى التخصصي، بلا ريال واحد في الجيوب، لثلاثة أسابيع، تركا فيها بقية الأطفال على بعد ألف وخمسمئة كيلومتر من أجل حياة الطفلة الكبرى وبعدها يكون السؤال والقرار الأصعب: هل ننقذ طفلة كبرى من (اللوكيميا) أم ننقذ حياة بقية الأطفال الآخرين الثلاثة؟ للقارئ العزيز الكريم أن يكتب عن أفكاري ما يشاء ولكن: لماذا لم يطرح السؤال عن مئة مليار في حسابات هذه الجمعيات الخيرية، وبالبرهان، خلال السنوات الخمس الأخيرة، فلم يجد فيها هذا (السالم) ما يمكن أن يكون من الحلول لقراره الصعب: أن ينقذ أطفالاً أو أن ينحاز للطفلة الكبرى الراحلة. لماذا لم يسأل مليارات الاستثمار في أرصدة الجمعيات وحسابات الأثرياء وفي الأنظمة المالية الرسمية؟ كل هذا أخي فهد، يضيع فقط، لأنني درست في الغرب.