يؤمن زوربا بالاهتمام بالجسد بقدر الاهتمام بالأشياء الأخرى، قائلاً: "إذا لم تطعمه تركك في منتصف الطريق". كما يتصرف زوربا وكأنه لن يموت أبداً، بعكس رئيسه الذي يتصرف وكأنه سيموت في أي لحظة، وهنا يتساءل زوربا: من كان منا المحق أيها الرئيس؟!
يجيد السيد زوربا التفكير بالأشياء في وقتها، إن زوربا من الناس القلائل الذين لا يفكرون بالحياة والموت في وقت واحد، فهما لا يجتمعان أبداً، ولكل منهما وقته؛ ولذا التفكير بهما لا يكون معاً كما هي فلسفة زوربا اليوناني، إذ يقول: "كلُّ شيء في وقته. أمامنا الآن الأرز، إذن يجب أن يتجه تفكيرنا إلى الأرز. وغداً سيكون أمامنا اللينيت" ويصارح زوربا رئيسه بأن الحياة طيّبة فـ"ها أنا الآن أتصرف وكأنني أموت بعد دقيقة. وأسرع كي لا أموت قبل أن آكل الدجاجة... لتحيا الحياة وليفطس الموت"!
ويحدث زوربا صديقه ورئيسه (باسيل) كخبير بشؤون المرأة وسيكيولوجيتها، حيث يدعي زوربا اليوناني أنه يعرف كيف تفكر، ويتعاطف معها باعتبارها كائنا ضعيفا، فإذا لم تقل إنك تحبها وترغب بها سوف تأخذ بالبكاء "إن في المرأة جرحاً لا يلتئم أبداً. إن جميع الجراح تلتئم، لكن هذا.. لا تصغِ إلى ما تقوله كتبك، لا يلتئم أبداً... إن الجرح يبقى دوماً مفتوحاً".
ويشير زوربا إلى قصة محزنة حصلت له مع جدته. كانت تهتم بنفسها سراً، بعد أن بلغت الثمانين، تمشط شعراتها القليلات دون أن يعلم أحد، وقد رآها حفيدها زوربا ذات مرة وجرحها في إنسانيتها وأنوثتها، حيث عاتبها على اهتمامها بنفسها قائلاً: "تفوح منك رائحة الجثث"، فقالت وهي على فراش الموت: "أنت من قتلني يا أكسيس أيها اللعين"! وحين بلغ زوربا من الكبَر عتياً، اقتنع بأن الشباب مثل حيوان مفترس: "إنني في الخامسة والستين على ما أعتقد، لكنني لن أصبح حكيماً أبداً، حتى ولو عشت مئة عام. سأحمل دوماً مرآة صغيرة في جيبي، وسأركض وراء الجنس الأنثوي".
كان زوربا يعرف كيف يعيش حياته كما هي، ينهمك فجأة بالعمل حين يحين وقته، ويصبح الرجل الذي يعرف كيف يعطي الأوامر ويتحمل المسؤولية. ومن عجائبه أنه قطع إصبعه ذات مرة لأنه كان يزعجه أثناء العمل حين كان يشتغل فخّاراً في شبابه. لقد كان زوربا - باختصار - يشتغل من كل قلبه. وشعاره في العمل: "لكي تشتغل لا بد أن تكون مستعداً".
إن حياة زوربا قائمة على دهشة اللحظة الأولى، إنه يجيد صناعتها وتجديدها، حيث يصفه صاحبه المفتون بشخصيته بقوله: "يرى يومياً كل الأشياء للمرة الأولى. كنت أحس، وأنا أصغي إلى زوربا، ببتولية العالم تتجدد"!
وحين يعود زوربا من العمل في المنجم، كان صاحبه يدرك كيف سار العمل من خلال هيئة جسده، من خلال رأسه المنحني أو المنتصب عالياً، من اهتزاز ذراعيه الكبيرتين. لا يحب زوربا الثرثرة على حساب العمل، ويستطيع أن يفصل في التعامل بين الشخص وعمله.. ذهب رئيسه ذات مرة معه إلى المنجم وأخذ يتحدث مع العمال عن حياتهم الخاصة، عن الأطفال الذين عليهم أن يطعموهم، والأخوات اللاتي عليهم أن يزوجوهن، والوالدين الطاعنين في السن. كان (باسيل) يستخرج منهم همومهم وأمراضهم ومشاغلهم في الحياة. التفت إليه زوربا رئيس العمال بغضب قائلاً: "لا تنبش هكذا تاريخ حياتهم. فسيميل قلبك نحوهم، وتحبهم أكثر مما يجب، وأكثر مما تقتضي مصلحة عملنا. وستسامحهم مهما فعلوا".
وبعد أن انتهى العمل ذات مساء، ألقى زوربا بمعوله متعباً وقال صارخاً: أيها الرئيس لا تتدخل في أي شيء، أنا أبني وأنت تهدم، ما هذه القصص التي كنت ترويها لهم اليوم؟ اشتراكية وهراء! أأنت واعظ أم رأسمالي؟ يجب أن تختار!
إن خلاصة تجارب زوربا مع البشر الذين تعامل معهم في حياته خلقت لديه قناعات عنيفة تجاههم، فهو يؤمن بأن الإنسان "إذا كنت سيئاً معه احترمك وخافك. وإذا كنت طيباً فقأ عينيك. حافظ على المسافات، أيها الرئيس، لا تشجع البشر كثيراً، ولا تقل لهم إننا متساوون، وإن لنا جميعاً الحقوق نفسها، وإلا فإنهم سيدوسون حقك أنت، ويسرقون خبزك ويتركونك تفطس من الجوع. حافظ على المسافات، أيها الرئيس، من أجل الخير الذي أريده لك".
ويصرِّح زوربا بأنه لا يؤمن بأي شيء، ولا بأي شخص آخر عدا زوربا نفسه، لا لأنه أفضل من الآخرين، بل "لأنه الوحيد الذي يقع تحت سلطتي، الوحيد الذي أعرفه، وكل الآخرين إنما هم أشباح. إنني أرى بعينيه وأسمع بأذنيه وأهضم بأمعائه. وكل الآخرين، أقول لك، أشباح. عندما أموت أنا، فكل شيء يموت. إن كل العالم الزوربي سينهار دفعة واحدة!".